صبار عابر العنزي
الوطنية ليست انتماء كلام ولا ورق بل شعور حب وعشق لوطن ولدت على أرضه، وغرقت عواطفك ومشاعرك ولاء وانتساباً له، فهو يمثل دم الجسد ونبض العروق و»حياتي» وحياة، فالوطنية مفاهيم ومدارك وثيقة الصلة بالأرض والانسان والقيادة وعلاقة الارتباط والانتماء والتضامن، فهي مفهومٌ أخلاقيٌ جعل الإيثار قمته التضحية بالروح وهي أعلى انواع التضحيات فكل ما في الكون من مغريات يتلاشى ويغيب ويهون من أجلك يا وطني وهذه وطنيتي.
ولعل الحروب والغزوات والازمات التي تمر بها الأوطان هي المعيار والمقياس الحقيقي للوطنية فالتضحية بالروح تمثل الهرم الأعلى للوطنية.
وصحيح ان الوطنية مفهومٌ معقّدٌ ولا يمكن النظر إلى الوطنية باعتبارها خليطاً من التعلق العاطفي بالبلد ورموزها التعريفية وقيمها التأسيسية التي تعرف بالمبادئ الأولى فقط بل يمكن تمييز التعلق بالأمة وقيمها التأسيسية عن مؤسساتها وقرارتها السياسية ونظرة الفرد لهذا المكون والمحتوى الذي بناء قناعاته في ولائه له.
وقد نشأ مفهوم المواطنة أوّلًا في مدن وبلدات اليونان القديمة، ويُعبَّر عنها الآن بأنها العلاقة بين الفرد والدولة التي يدين لها الفرد بالولاء ويحق له بدوره حمايتها، والمواطنة تعني وضع الحرية مع المسؤوليات المصاحبة لها، حيث يتمتع المواطنون بحقوق وواجبات ومسؤوليات معينة، وبشكلٍ عامّ إنّ المواطنة هي الشكل الأكثر تميزًا للجنسية، ويشير هذا المصطلح الأوسع إلى العلاقات المختلفة بين الفرد والدولة التي تمنح الحقوق السياسية الكاملة، بما في ذلك الحق في التصويت وشغل المناصب العامة، وفي المقابل، يتحمل الفرد مسؤوليات الولاء والانتماء والوطنية ودفع الضرائب والخدمة العسكرية.
أي ان هناك من يجزم أنّ الوطنيّة هي شعور مناسب وطبيعي ناتج عن ارتباط الشّخص بالوطن الذي وُلد وتربى فيه، وشكل من أشكال الشكر للفوائد التي عاد بها هذا الوطن عليه...
وينظر البعض إلى أنّ الوطنيّة أمر أخلاقي إلزامي ومركز للأخلاق، والبعض يقسم الوطنية إلى نوعين هما: الوطنية المتشددة، والوطنية المعتدلة، حيث تدّعي المتشددة أنّ الولاء الوطني هو المصدر الوحيد لأي مطالب أخلاقية ذات مغزى، لذا فإنّ محتوى الوطنية هو دائماً خاص أو محلي، فالولاء الذي يطالب به الوطنيون هو ببساطة عبارة عن أي قيم تُعتبر مهيمنة داخل دولة أو مجتمع، كما ظهر الجزء الأكبر من الكتابات الأخيرة عن الوطنية ضمن الفئة المعتدلة حيث تحاول التوسط بين العالمية والمحلية.
ما هو الوضع الأخلاقي للوطنية، والسؤال لا يعترف بإجابة واحدة، حيث يمكن التمييز بين خمسة أنواع من الوطنية، ويجب الحكم على كل منها على أساس مزاياها لتحقيق فهم أعمق لمفهوم الوطنية فعندما يُعتقد أن المصالح العليا لبلدهم على المحك، ويتم تضمينه في القول: «نحن مع بلدنا صواب أم خطأ»، وتعدّ هذه الوطنية بمثابة رفض لكل ما يقف ضد مصالح الدولة والشعب...
وأخرى تركّز على أنانية الوطنية بغض النظر عن أي بلد آخر وسكّانه، ويجب ألّا تتناقض نسبيًا مع الأخلاق، لأن الوطنية فضيلة الأخلاقية بالأصل وهي أساس الأخلاق المجتمعية، وتعطي مبررًا للمُغالاة في اتخاذ الوطنية التي تؤدي إلى توترات مجتمعية وعلى مستوى الفرد...
وتُظهِر نظرية أخرى الشخص يهتم بوطنه، ولا يمنعه ذلك من إظهار الاهتمام بالدول الأخرى وسكّانها، وهي متوافقة مع الإنسانية، وهي غير مشروطة أو أنانية أي مواطنة متوازنة ذات مصالح مشتركة مجتمعية...
وإذا لم تكن الوطنية واجباً أخلاقياً ولا فضيلة، عندها سوف تتضاءل جميع ادّعاءاتها الأخلاقية، وليس لها أهمية أخلاقية إيجابية، ولا يوجد شيء يمكن قوله عن ذلك، من الناحية الأخلاقية...
اخيراً الوطنية لا تسعى إلى الدفاع عن ما يمكن تسميته بالمصالح الدنيوية المتدنية بل تحث على الحفاظ على المستويات العليا للعيش بكرامة وتحافظ على المكتسبات وتحث على تحقيق العدالة ومحاربة الفساد والالتزام بالحقوق وتأدية الواجبات والتضامن في العمل في أي وقت، وفي أي مكان لتحقيق معنى المواطنة.