مشعل الحارثي
ودع دنيانا بالأمس القريب إلى مراقد الراحلين أحد زملاء المهنة ورفقاء المسيرة الصحفية الزميل مقبول فرج الجهني إثر حادث مروري أليم تاركاً لنا ولكل محبيه حزة في النفس، وغصة في الحلق ، ودمعة حرى سكنت محجر العين ، حزناً وحسرة على رحيله تغمده الله بواسع رحمته ومغفرته وأسكنه فسيح الجنان وألهم محبيه الصبر والسلوان.
يوم الوداع وهل أبقيت في خلدي
إلا الأسى في حنايا القلب يستعر
إننا عندما نبكي صديقنا وزميلنا مقبول الجهني (أبو خالد) فنحن لا نبكيه للمصير المحتوم الذي آل إليه فهو مصيرنا جميعاً مهما اختلفت وتنوعت الأسباب، ولكننا نبكي فيه تلك القيم النبيلة التي جبل عليها منذ عرفناه والمواقف الإنسانية وحبه وتقديره لأصدقائه وسماحة خلقه وتواضعه الجم وحبه الكبير الذي يكنه للوطن وللناس وما تمليه عليه قيمة الرجولة والشهامة والنخوة من حرص ومسارعة في خدمة الآخرين ومساعدتهم وإن جاء هذا الأمر على حساب وقته وراحته وتكبده المشاق في سبيل ذلك ، فكان رهن الواجب لكل من اتكأ عليه وليس غريباً أن يكون آخر أيام حياته وهو يسعى في قضاء حاجة أحد الناس ويسافر من جدة إلى تبوك لقضاء هذه الحاجة فذلك نهجه وديدنه ، ولا أخالف الواقع إذا قلت إنه نموذج نادر من الرجال وحق لنا أن نحزن على فقده وفراقه وفراق أمثاله من الرجال.
وإذا أحب الله يوماً عبده
ألقى عليه محبة في الناس
ومقبول الجهني رحمه الله إضافة لمحطات عمله بالتعليم ثم إمارة مكة المكرمة فوزارة الداخلية فهو صاحب مسيرة صحفية حافلة تزيد عن نصف قرن أتقن فيها فنون العمل الصحفي وتنقل في صحف ومجلات محلية متعددة بدءاً بجريدة الندوة التي أمضى فيها مدة طويلة مخبراً ومحرراً ومشرفاً على عدد من الصفحات، ثم انتقل لصحيفة البلاد ومجلة اقرأ، وصحيفة المدينة، وصحيفة الجزيرة، ثم كاتب مقال أسبوعي في صحيفة البلاد.
ما زلت تلهج بالتاريخ تكتبه
حتى رأيناك في التاريخ مكتوبا
كذلك الموت لا يبقي على أحد
مدى الليالي من الأحباب محبوبا
ومن ضمن المحطات التي عمل بها فقيدنا في الثمانينات الهجرية وكما أشرت صحيفة الندوة وكان مسؤولاً فيها عن تحرير صفحة البادية التي كانت وقتها - ومع بواكير النهضة والتحولات وبناء الدولة وزيادة الوعي الاجتماعي - تحظى بمتابعة كبيرة من أبناء البادية تناغماً أيضاً مع برنامج البادية الإذاعي، فهذه الصفحة تحمل له أعطر الذكريات والبصمات وقد أدرك الشاعر العم أحمد حامد العمراني الحارثي الذي كان ينشر بعض قصائده بهذه الصفحة فضل صاحبها وما يمتاز به من أخلاق نبيلة وما قدمه لمجتمع البادية آنذاك من تعريف وإطلالة على المجتمع الحديث فلم يتردد في أن يهديه الأبيات الشعرية التالية التي قالها فيه ونشرت في أحد أعداد هذه الصفحة وفيها يقول:
يا الله يا للي رفع عرش السماء من غير عمدان
يا خالق الأرض والسماوات يا مرضي العباد
يا مستجيب الدعاء يا من جعلت عبادك إخوان
تعز حامي الوطن يا من عليه الاعتماد
يقوله الشاعر اللي يا زن المعنى بميزان
وارد من خاطري زين المحاريف الجداد
في (صفحة البادية ) ينشر لنا يا ناس عنوان
وأشكرك يا رئيس التحرير من صافي فؤادي
و(مقبول) دايم يحررها وله معروف وإحسان
وأنا أشكره من صحيح وتشكره كل البوادي
تمت وصلوا عدد ما لاح برق وهب هبان
على محمد رسول الله يا جمع العبادي
لا أملك في الختام إلا أن نترحم على فقيد الصحافة السعودية أخينا وصديقنا مقبول فرج الجهني صاحب هذه الروح التي جمعت حولها كل هذا الحب وكان لرحيله هذا الأثر العميق من الحزن والأسى، وأحسن الله عزاء ذويه وأهله وعارفي فضله ومحبيه ، سائلاً المولى عز وجل أن يتقبله بقبول حسن وأن يدخله مدخلاً واسعاً مع الصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.