ما أصغرَ الدنيا بدونكَ يا أبي
وبدون أمٍ طيفُها لم يغرُبِ
ودّعتُكم ربي فرحمةُ خالقي
أحنى وأرحمُ من ضعيفٍ مذنبِ
أبتاه ذِكرُكَ عاطرٌ بين الورى
والكلُّ يشهد بالثناء الطيبِ
سنواتُ عمرِكَ سيرةٌ فياضةٌ
عِبراً تعبّر عن أبٍ حرٍ أبي
عُمّرت قرناً في الحياة ِمعاصراً
أحداثَه الكبرى فلم تتذبذبِ
سافرتَ للبحرين طفلاً يافعاً
ودرستَ فيها في فضاءٍ أرحبِ
وقرأتَ في الأدب الرفيعِ موسّعا
ووجدتَ في التفسير أصفى مشربِ
لم يُنسكَ البُعدُ ادّكار عنيزةٍ
فنظمتَها شعراً بعين المعجَبِ
مستعرضاً تاريخها بقصيدةٍ
بشبابِك الغضِّ اشتُهرت بها أبي
خُضتَ التجارة ما ثناكَ بريقُها
عن نيل آمالِ الفتى المتوثِّبِ
لم تسعَ للأضواء تبغي شهرةً
وإن احتفى مَن دونَكم بالمنصبِ
تهوى الثقافةَ قارئاً نهماً فكم
قد حزتَ من كتب غَلَت لم تَحسِبِ
ساهمتَ في نشر ِالثقافةِ رائداً
ورأى ابن جاسرَ فيك نيلَ المأربِ
(أخبار ظهرانَ) احتفت بك كاتباً
في الصفحة الاولى بفكرٍ ثاقبِ
ومع الجهيمان استمرت صحبةٌ
هي كالأساطير الجميلةِ للصبي
ورويتَ من إلهامِ فكرِكَ قصةً
في (رحلةِ الفتيان) ذات تشعُّبِ
و(بصيرة الفتيان) تحكي عودةً
للمنهلِ العذبِ الأصيلِ الأطيبِ
علّمتَنا فكَ الحروف قراءةً
وكتابةً بسلاسةٍ وتحبُّبِ
ورعيتنا بالحزم منك ورحمةٍ
فسمت مراتبُنا بخيرِ مؤدِّبِ
وجّهتني متعاهداً حفظي لآ
يات الكتاب وكلِ شعرٍ مطربِ
عَفُّ اللسانِ عن الكلامِ بغيبةٍ
أو ريبةٍ في صاحبٍ أو أجنبي
ومعظِّماً قدرَ الصلاةِ مبكراً
قبلَ المؤذنِ خاشعاً بتقربِ
بتلاوةِ القرآن تصدحُ باكراً
ومطالعاً دوماً أحاديثَ النبي
تهوى الصحاريَ عاشقاً لترابها
وترى بها الطهرَ الأثيلَ اليعربي
وتهيمُ في شجرِ الغضا متأملاً
لغصونه أو جمره المتلهِّبِ
لما ابتُليتَ بضعفِ سمعك صابراً
أكرمت نفسَك سامياً كالكوكبِ
وشغلتَ وقتَكَ بالفضائلِ تاركاً
ما لا يفيدُ إلى الطريقِ الأصوبِ
وسعيت َفي صلةِ الأقاربِ رائداً
في جمعِ أسرتِنا بحرصٍ معجِبِ
ياربِ فاجمع شملَنا في جنةٍ
فيها يلاقي المرءُ أغلى مطلبِ
** **
- شعر/ حسان بن عبدالعزيز القاضي