في مقال سابق تطرقنا إلى تجارة الطب من جهة الدواء وكيف يتم تصنيعه من أجل الربح المادي على حساب صحة الإنسان، وهنا سوف نلقي الضوء على جانب مهم في مجال الطب ما زال له تداعيات خطيرة، متمثلة في الأخطاء الطبية والعدوى الطبية التي تحدث في الكثير من المستشفيات والمراكز الطبية في مختلف دول العالم، وتسليط الضوء كذلك على الرعاية الصحية التي تبحث عن تحسين جودة العمل الطبي، والبحث هو من خارج واقعنا وتحديدا في أمريكا.
وسوف نتناوله في جزءين، يقول سيفن سبير وهو خبير في معهد تحسين الرعاية الصحية في كامبريدج (ماساتشوستس) إنه في مستشفيات أمريكا يموت 98000 شخص كل عام وذلك بسبب الأخطاء الطبية، وهناك دراسات أخرى تشير إلى أن نحو هذا العدد أيضا يقع فريسة العدوى داخل المستشفيات، وتقدر مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها أن مقابل كل شخص يموت بطريق الخطأ أو العدوى هناك ما بين خمسة إلى عشرة آخرين يصابون باخماج غير قاتلة، إن حقيقة أن ما يقارب من 33.6 مليون مريض يدخلون المستشفيات في أمريكا سنويا تعني أن 88 شخصا من كل ألف سيعانون من الإصابة أو المرض نتيجة العلاج وقد يموت سته منهم بفعل ذلك وأن كل خمس عشرة دقيقة أو عشرين يموت ما بين خمسة وسبعة أشخاص نتيجة الأخطاء الطبية وحالات العدوى في المستشفيات.
تضع مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها تقديرات تشير إلى حالات العدوى الناشئة عن استعمال القسطرة الوريدية المركزية، إنها تصيب 250 ألف مريض في أمريكا سنويا وتقتل 15 في المائة أو أكثر، وتقدر مراكز الأمراض والوقاية منها تكلفة العلاج الإضافي لكل حالة عدوى بعشرات الآلاف من الدولارات.
ويورد ستيفن هنا مثالاً على عدم التنسيق بين الكوادر الطبية بصورة ناجحة إلى حدوث كارثة طبية، ففي حالة سيدة تبلغ من العمر 68 عاما كانت تتعافى من عملية جراحية قلبية غير حرجة في وقتها، بدأت على نحو مفاجئ تماما تعاني نوبات مرضية، وقد أخذت عينة من دمها للفحص، وأخضعت لتصوير إشعاعي تبين عدم وجود نزف أو تجلطات أو أي سبب ظاهري، وعندما أعيدت إلى غرفتها وجد الطاقم الذي يقوم على رعايتها من نتائج فحوص دمها أنها كانت تعاني نقص سكر الدم، وحاولوا جاهدين رفع مستوى السكر في دمها دون جدوى، ودخلت في غيبوبة وبعد سبعة أسابيع ماتت، وكيف حدث هذا يقول لقد أظهرت التحريات المتعاقبة أن أحد الممرضين في الساعة 6.45 من صباح يوم الحادث قد استجاب لإشارة إنذار تشير إلى انسداد في أحد الشرايين نتيجة جلطة دموية مما دعاه إلى فتح الشريان بمضاد للتخثر وهو الهيبارين، ولم يدل على إعطاء المريضة أي هيبارين، وما وقف عليه المحققون كان زجاجة صغيرة مستعملة من الأنسولين وجدت على العربة الطبية خارج غرفة السيدة التي لم تعان أعراض تستدعي تناول الأنسولين، وخلص المحققون إلى أن الممرض كان أعطى الأنسولين عوضا عن الهيبارين وأن هذا الخطأ تسبب في قتل المريضة، ويتضح عند العودة إلى شكل علبة الأنسولين وعلبة الهيبارين (وكلاهما سائل عديم اللون) كانتا متشابهتان في الحجم والشكل مع لصاقات كان من الصعب قراءتها، كانتا موضوعتين بجوار بعضهما في العربة، لقد أسهم عدم التنسيق بين الممرضين بالشكل الصحيح وفقدان الرقابة والسلامة الدقيقة في موت المريضة.