محمد سليمان العنقري
لم يكن تقدم المملكة في المؤشرات الدولية للتنمية البشرية إلا انعكاساً لجهودها الكبيرة التي حققت من خلالها تطوراً كبيراً في تنمية المحتمع خصوصاً في الصحة والتعليم الذي يحظى بدعم ضخم، حيث يخصص له سنوياً ما لا يقل بالمتوسط عن 20 بالمائة من الموازنة العامة للدولة، حيث تنتشر آلاف المدارس ومئات المعاهد والكليات التفنية وعشرات الحامعات في كل مناطق المملكة ويلتحق بها أكثر من سبعة ملايين طالب وطالبة، إضافة إلى برامج الابتعاث التي استفاد منها مئات الآلاف من المواطنين على مدى العقود الماضية. وفي الأسبوع الماضي أطلق سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إستراتيجية برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الذي يعدّ مرحلة جديدة في مستقبل تنمية رأس المال البشري برفع كفاءته خدمة للاقتصاد الوطني في القطاعات الجديدة والواعدة التي تركز عليها رؤية 2030 .
فتأهيل رأس المال البشري يعدّ أحد أهم ركائز نجاح الرؤية، ومع التركيز على التنمية القطاعية والمناطقية في المملكة فإن الحاجة للتأهيل داخلياً وخارجياً للكوادر البشرية الوطنية من مختلف الأعمار وخصوصًا الشباب، حيث يعد المجتمع السعودي حيوياً بما يتمتع به من نسبة مرتفعة في الشباب حيث تصل نسبة مَنْ هم دون 30 عاماً لما يقارب 65 بالمائة. وبالعودة لإستراتيجية برنامج الابتعاث التي أطلقت فإنها راعت جوانب عديدة تركز على تغطية احتياجات سوق العمل بشباب حاصل هلى تعليم من جامعات عالمية متقدمة بالتخصصات الجديدة التي باتت مطلباً بعد التحول بالاقتصاد العالمي نحو الرقمنة والمعرفة والتقنية الحديثة، إضافة إلى نفل الحبرات وتوطينها في مجالات البحث العلمي عبر المبتعثين للدراسات العليا، فقد حددت ثلاثة ركائز للبرنامج، فالأولى تركز على «التوعية والإعداد للمبتعثين» لتسليط الضوء على أهمية تأهيل المبتعثين للبدء بالتخطيط المبكر لرحلتهم العلمية والعملية في الجامعات الدولية حسب المجالات المختلفة، فأهمية أن يعي كل طالب ماذا يختار لمستقبله وكيف سيتكيف مع الأجواء الجديدة في جامعة ودولة أجنبية لها أهمية في تهيئته واستعداده الذهني للمرحلة الأهم بمستقبله العلمي. أما الركيزة الثانية «فتُعنى بتطوير مسارات وبرامج الابتعاث»، وتهدف إلى تعزيز تنافسية المملكة محلياً ودولياً من خلال الابتعاث للمسارات التي يتطلبها سوق العمل المحلي والعالمي في أفضل المؤسسات التعليمية حسب التصنيفات العالمية، فلطالما كان هناك حاجة لتأهيل كوادر تلبي احتياجات سوق العمل، ولذلك فإن البرنامج وضع هذا المطلب أساسياً في أهدافه. والركيزة الثالثة متمثلة في «المتابعة والرعاية اللاحقة للمبتعثين» من خلال الإرشاد وتطوير الخدمات المقدمة لهم من أجل التعزيز من جاهزيتهم للانخراط في سوق العمل أو المؤسسات البحثية داخل وخارج المملكة العربية السعودية، فالمتابعة بكل تفاصيلها تساعد على تعزيز فرص نجاح المبتعثين وعودتهم بتأهيل عالٍ يساعدهم على دخول سوق العمل والحصول على الفرص الوظيفية بتنافسية عالية.
ولرفع كفاءة البرنامج فقد حددت مسارات له حتى يلبي كل الاحتياجات للمجتمع والاقتصاد وسوق العمل، فأولها «مسار الرواد» والذي يركز على ابتعاث الطلاب إلى أفضل 30 مؤسسة تعليمية في العالم حسب تصنيفات الجامعات المعتمدة عالمياً في جميع التخصصات، ما يُسهم في تمكين المبتعثين السعوديين من التميُّز والمنافسة عالمياً في جميع المجالات، فهو ما يمثل نقلة نوعية بتوطين مهارات علمية في الاقتصاد الوطني نقلاً من حامعات تعد الأفضل بالعالم. والمسار الثاني هو المعني في «البحث والتطوير» والذي يُعد أحد أهم المسارات الرافدة لتمكين منظومة البحث والابتكار من ابتعاث طلاب الدراسات العُليا إلى أفضل المعاهد والجامعات حول العالم، محققاً بذلك التأهيل والتمكين لتخريج عُلماء المستقبل، فالبحث العلمي والابتكار هو العمود الفقري لتطوير أي اقتصاد ويسهم بتطوير التقنيات والحلول مما يسمح برفع مستوى إنتاجية الاقتصاد بل والانتقال لتصدير التقنيات، فما ميز الاقتصادات الكبرى هو البحث والابتكار. والمسار الثالث هو «إمداد» الذي يعمل على تلبية احتياجات سوق العمل في تخصصات محددة يتم تحديثها بشكل دوري من خلال الابتعاث إلى أفضل 200 جامعة لضمان تزويد سوق العمل بالكفاءات المطلوبة، فالأنشطة الاقتصادية تتطور التقنيات والأساليب المشغلة لها مما يتطلب تلبية احتياحاتها من الموادر البشرية المؤهلة خصوصاً أن التحصصات العامية تغيرت كثيراً مع التطور التكنولوجي الهائل والذي لا يتوقف عند حد معيَّن، ولذلك ركز هذا المسار على تحديث التخصصات التي تظهر الحاجة للابتعاث لها. والمسار الرابع هو «واعد»، ويهدف إلى ابتعاث الطلاب في القطاعات والمجالات الواعدة حسب المتطلبات الوطنية للمشاريع الكبرى والقطاعات الواعدة، من خلال تدريب الطلاب المبتعثين في أفضل البرامج والأكاديميات العالمية لتزويد القطاعات بالقدرات البشرية المؤهلة عالمياً في القطاعات الواعدة، مثل قطاع الصناعة وقطاع السياحة وغيرهما من القطاعات. فالرؤية ركزت على النهوض بقطاعات عديدة تمثيلها بالاقتصاد الوطني كان محدودًا رغم توفر إمكانيات كبيرة لنجاحها، حيث أطلقت إستراتيجيات عديدة لها ويتم تنفيذ مشاريع عملاقة لانطلاقتها، وحتى تنعكس إيجابياتها على الاقتصاد الوطني لابد من أن تكون نسبة المواطنين المؤهلين العاملين فيها مرتفعة، وهو ما يركز عليه هذا المسار.
تمكين رأس المال البشري الوطني هدف رئيسي لبرنامج تنمية القدرات البشرية لكي يكون هو القائد للنهوض بالقطاعات الاقتصادية كافة، وإذا كان قطاع التعليم يشهد نهضةً وتطورًا كبيرًا بعد اعتماد رؤية 2030 حيث صدرت العديد من القرارات التطويرية في السنوات الثلاثة الأخيرة تحديداً من حيث تطوير التعليم العام بالأصعدة كافة، وكذلك صدور نظام الحامعات والتي جاء إطلاق إستراتيجية الابتعاث مكملاً لها ليكون التعليم والتأهيل من داخل المملكة على أعلى المعايير العالمية، وكذلك يحقق الابتعاث اختزال وحرق المراحل لنقل العلوم والخبرات بوقت قصير قبل التوطين الدائم لها بالجامعات الذي عادة يأخذ وقتاً وجهداً أطول.