د. أحمد محمد الألمعي
ما زلنا نتعامل مع تبعات جائحة الكورونا، مع وجود أخبار تثلج الصدر بفضل الله بتناقص أعداد الإصابات في المملكة بفضل السياسة الحكيمة والقيادة الرشيدة التي ظهرت نتائج خططها للجميع، وهي عامل مهم للاستقرار وطمأنة كل من يعيش على هذه الأرض الطيبة. وقد تتسبب الأحداث الأخيرة في ردود فعل نفسية معينة كما لوحظ سابقاً في زمن الأزمات والجائحات. وتختلف ردود الفعل النفسية باختلاف الأشخاص، الرؤى، الاستجابة للأفكار، التجارب والتصرفات السابقة، السمات الشخصية، إضافة إلى القرب أو البعد عن مناطق الأزمات والأوبئة. وينعكس كل هذا سلبا أو إيجابا على سلوك وأسلوب تعامل المجتمعات مع الأحداث بصرف النظر عن طبيعتها المقلقة. معرفة ردود الفعل النفسية مهم لأن لها تأثيرا على التدخل العلاجي والوقائي للأزمة أو الجائحة التي ما زلنا نمر بها لأننا لم نتجاوز مرحلة الخطر، والذي يشمل التدخلات السلوكية والتعليمية، مثل الالتزام بالتطعيم والممارسات الصحية في الحياة اليومية إضافة إلى التباعد الاجتماعي. تحتل العوامل النفسية أهمية كبيرة في تحديد كيفية ومدى استجابة وتفاعل الأشخاص تجاه انتشار المرض أو خطر الإصابة. فعلى سبيل المثال، يزداد الضغط النفسي في المجتمعات بشكل كبير في هذه الأوقات، كما تتأثر الاستجابة لتفشي الوباء بعوامل عديدة منها نظرة الإنسان لنفسه وما حوله وعوامل أخرى دينية، اجتماعية وأعداد المصابين على وسائل الإعلام.
وتشير الأبحاث النفسية إلى أن أغلب الناس بما فيهم الأطفال لديهم مرونة في التأقلم مع الضغوط ولا تظهر عليهم أي آثار نفسية من جراء ذلك. ولكن عندما لا يستطيع الإنسان التأقلم بفعل العوامل المذكورة سلفاً، تكون ردة الفعل هي الخوف والهلع، وقد تكون الآثار النفسية لتفشي مرض ما أكبر وأعمق من آثاره الطبية، وربما تستمر لفترة طويلة بعد انحسار الوباء أو الأزمة. وخلال فترة تفشي الأمراض المعدية، يتفشى الخوف من العدوى والقلق الشديد بشكل أسوأ من الوباء نفسه نتيجة للشحن الإعلامي حتى لو لم يكن هناك خطر حقيقي. ونتيجة لذلك، ينشأ الخوف من الوصمة الاجتماعية من مما قد يؤدي إلى المرض النفسي وإدمان المخدرات في بعض الأحيان. ووجدت أيضاً بعض الدراسات أن هناك زيادة كبيرة في عدد المراجعين في المستشفيات عندما يكون هناك شائعة تفش لمرض معين قبل انتشاره الفعلي خاصة عند الأطفال. أخبار الإصابات والوفيات وفقدان الأحباب والأقارب والأصدقاء قد يفاقم الوضع، وهذا قد يزيد من فرص الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة النفسية والاكتئاب وغيرها من الأمراض النفسية على المدى البعيد. كما لوحظ أيضا زيادة في الحاجة إلى الرعاية النفسية خلال فترة تفشي الوباء.
وهناك مشكلة أخرى تتمثل في انتشار العلاجات الشعبية غير المرخصة أو آمنة وعلاجات الدجالين. وتشمل ممارسات شبه طبية غير مثبتة أو عشوائية. وتنتشر هذه العلاجات والممارسات خاصة في أوقات الأوبئة. ويوفر زمن الأوبئة بيئة خصبة لنشر إشاعات عن العلاجات الوهمية بهدف الربح المادي. فعلى سبيل المثال انتشرت بعض الوصفات الشعبية خلال فترات سابقة لأن بعض الدراسات الصينية أشارت إلى فائدتها كعلاج لتقوية مناعة الجسم ضد العدوى من فيروس كورونا 19 المستجد، برغم وجود دراسات أخرى أشارت إلى عدم فعالية هذه المركبات. وخلال فترات تفشي الجائحات في الماضي، استخدم الدجالون وأطباء العلاج الشعبي مكونات مثل الأعشاب، أجزاء من بعض الحيوانات وبعض المواد المعدنية التي قد تكون سامة. فعلى سبيل المثال، انتشرت علاجات البخور والروائح العطرية والأعشاب المختلفة إضافة إلى علاجات السحر والشعوذة أثناء تفشي الطاعون في القرن الرابع عشر الميلادي. كما انتشرت الدعايات في الصحف والمجلات خلال وباء الإنفلونزا الإسبانية 1918 - 1920 للترويج لمستحضرات وعلاجات سحرية مثل بعض المراهم، بعض الأدوية مثل عقار برومو كيونين لعلاج الرشح والإسهال وبعض النصائح الطبية مثل الإكثار من أكل البصل. واللافت للنظر أنه خلال جائحة كورونا 2020 تكررت نفس الإشاعات عبر منصات التواصل الاجتماعي والإعلام المرئي والمسموع، منها خلطات تحسين المناعة، الترويج لعلاجات ووصفات مثل الفضة الغروية، وخليط الكحول مع الأناناس، فيتامين سي، بول البقر والإبل، مطهر الديتول، شاي العظام وغيرها من الأعشاب والوصفات العشوائية.
من الملاحظ على مدى تاريخ الأزمات والجائحات، انتشار الرعب والخوف والهلع والهستيريا بين الناس بمن فيهم مقدمو الرعاية الصحية بسبب التغطية الإعلامية المبالغ فيها، والمخاطر المحتملة التي يمكن أن تضفي مصداقية على المعتقدات الخاطئة. مثلا في ديسمبر 2019, أعلنت منظمة الصحة العالمية حالة الطوارئ الصحية في العالم نتيجة تفشي وباء كورونا 19 المستجد وتسبب ذلك بهستيريا جماعية وخسائر اقتصادية جسيمة، وأدى ذلك إلى رعب جماعي وخوف من انتشار الفيروس الذي أثر في مواقف وسلوك الكثيرين وبدأ الناس بالإحساس بالخطر والتفكير بالبحث عن مخرج والنزوح لمكان آمن. في مثل هذه المواقف يبدأ الناس بالتفكير بأنفسهم والمقربين منهم، وقد يدب الذعر والخوف في الجميع لأن شيئا ما خطير يحدث بالفعل، ويكون ذلك أرضية خصبة للإشاعات الخبيثة والجهات التي تنشر معلومات مزيفة وأنصاف الحقائق والأخبار الكاذبة وينتج عنها أنشطة عدائية متعمدة.
ومن خلال تضخيم مصطنع للجائحة يتم التلاعب بشكل كبير في المواقف العامة للناس مما يولد في بعض الأحيان ضغائن وعداوة تجاه أشخاص، أعراق أو أجناس بعينهم أو فئات معينة ولأسباب معينة مثل الاعتداءات التي حصلت ضد الصينيين أو كل من له سحنة آسيوية في أمريكا والغرب.لأن بعض الزعماء السياسيين قاموا بإلقاء اللوم على الصين بانتشار المرض. إضافة إلى ذلك، يزداد الاعتقاد والإيمان بنظرية المؤامرة خلال هذه الأوقات واعتقادات تعد من أفلام الخيال العلمي، فعلى سبيل المثال، ظهرت نظريات في مختلف منصات التواصل الاجتماعي توحي بأنه توجد علاقة بين ظهور فيروس كورونا 19 المستجد وهوائيات الجيل الخامس للهواتف المحمولة وهو أحدث تقنية للهاتف المحمول اللا سلكي، والجدير بالذكر بأنه قد تم نشر هذه الهوائيات في العالم على نطاق واسع وخاصة في أوروبا في عام 2019 كما انتشرت إشاعات بأن اللقاحات تحتوي على رقاقات كومبيوتر تستقر في المخ بهدف التحكم في البشر.
ولوحظ أيضا زيادة أعمال الشغب، السرقة والتدمير خلال فترة الأزمات والجوائح. فعلى سبيل المثال، رصدت أعمال شغب أثناء تفشي وباء الكوليرا في أوائل ثلاثينيات القرن التاسع عشر في روسيا, بريطانيا وتكررت أعمال الشغب أيضا في تسعينيات القرن الثامن عشر أثناء تفشي الكوليرا في ألمانيا. وخلال تفشي فيروس كورونا 19 المستجد، ظهرت مظاهرات ونهب وسلب في دول عدة ضد الإجراءات الاحترازية في بعض الدول مثل صربيا عندما اجتاح المتظاهرون المحتجون مبنى البرلمان في مدينة بلغراد على خلفية حظر التجول في المدينة. كما ازدادت أيضا وتيرة التوتر والعنف العرقي أثناء المظاهرات في الولايات المتحدة على خلفية مقتل المواطن الأمريكي الأسود جورج فلويد George Floyd على يد أحد أفراد الشرطة البيض في مدينة منيابوليس، وبدأت بعدها موجات حاشدة من المظاهرات التي عمت الولايات المتحدة الأمريكية للتنديد بسلوك الشرطة تجاه المواطنين السود، وأدى ذلك إلى زيادة وتيرة وسلسلة تفشي وباء كورونا المستجد في الولايات المتحدة الأمريكية كنتيجة لهذه التجمعات.