د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
سطعتْ في سمائنا نيّراتٌ تضيء دروبنا لاستقراء مستقبل بلادنا الغالية المملكة العربية السعودية، وحظينا بفضل من الله بقيادة ملكية قادرة على استيعاب كل اللحظات الفاخرة في القدرات البشرية السعودية؛ والعمل بمقتضاها ومن أجلها؛ وتهيئة الأوعية اللازمة لتحضير الإرادة المؤثرة في المسيرة الحضارية التي تُعتبَر القوى البشرية المؤهلة في ذروة سنامها؛ وبدا الاستعداد لعهود نجني فيها سخاء المردود بإذن الله! فقد أسعدتنا مع مطلع الأسبوع الماضي بشارة ملأى، حملها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان؛ وبثَّ فيها موجز اقتصاد المعرفة الذي تنشده بلادنا عندما أطلق سموه استراتيجية الابتعاث الجديدة التي حملتْ ركائز ومسارات حافزة تتقولب فيها مستهدفات الابتعاث وبرامجه، والاستراتيجية خطوة استباقية لصناعة العقول المؤثرة؛ والاستراتيجية تحول وطني يتجدد وميضها، والاستراتيجية تحقيق عملي للتنافسية من خلال الالتفات الصحيح الممنهج لكفاءة رأس المال البشري السعودي كمنطلق للنهوض والتنمية المستدامة، والاستراتيجية جاءت بعد تقويم دقيق للاحتياج الحقيقي، وقياس صحيح لمخرجات برامج الابتعاث السابقة، فالزمن ليس سوق شهادات فحسب، بل يضاف لها الخبرات والمهارات في عالم يتشظى فيه الإنتاج، ويتجزأ فيه النشاط الإنساني عامة، فتنمو لذلك قيم جديدة، وثقافات جديدة واقتصاد جديد، وقد احتوتْ استراتيجية الابتعاث الجديدة حزمة من الركائز والمسارات التي تم تصميمها بما يتسق مع الرؤية السعودية العملاقة 2030 تتمثل في تهيئة المبتعثين والتخطيط المبكر لرحلاتهم العلمية، وتطوير مسارات الابتعاث، وفق متطلبات سوق العمل المحلي والعالمي، حسب التصنيفات العالمية؛ يضاف إلى تلك الركائز الرعاية اللاحقة للمبتعثين من خلال الإرشاد وتطوير الخدمات المقدمة لهم، وتضمنتْ الاستراتيجية الجديدة عدة مسارات (مسار الرواد ومسار البحث والتطوير ومسار امداد ومسار واعد)، ولكل مسار تفاصيل وفصول ناهضة فارقة وفق ما ورد في اطلاق الاستراتيجية؛ وجميعها -بتوفيق الله- ستكون من مدخرات الأجيال في حاضرها ومستقبلها، وهي دروب وصول مكينة إلى الاستقلال الذاتي والأصيل وإلى المشروع التنموي الخلاق؛ وأعني به الانتاج والبناء والتنمية الحديثة مما يجعل مخرجات التنمية البشرية أكثر توأماً مع العصر الحديث؛ وأكثر استجابة لشروطه فليس هناك ما نحن أحوج إليه من العقول الباحثة المبتكرة والأيدي المدربة، والتريب الذي ورد في مسارات استراتيجية الابتعاث هو الذي يدفع القوى البشرية السعودية إلى الصفوف الأمامية في روح العصر، ليتصدروا منصات التشغيل في المدن السعودية الذكية الحديثة؛ ولا يمكن أن نتصور التخطيط لمستقبل متحضر دون التركيز بشكل مباشر على إعداد القوى الوطنية البشرية التي سوف تضطلع بهذه المهام وتنفذها.
كما أن الاتجاه نحو تمتين المكون العقلي البشري باستحداث برنامج بصير من خلال ابتعاث العقول السعودية للاندماج العالمي بأنواعه في الدراسات الأكاديمية تأسيساً على أن المعرفة امتداد وإمداد بالمنظور الفلسفي الشامل الذي يمتدُ عند الشعوب الشغوفة بالحضور المتألق، وينحسر عند من هم دون ذلك، ولأنه لا إنتاج دون معرفة ولا فكر دون تفكير! فإن الابتعاث مفهوم تنموي حضاري؛ ومن أهم الجسور التي تبني التواصل مع الآخر خارج نطاق المحلية, وتدفع بالمشتركات الإنسانية إلى الاندماج المحفز وتثريها، كما وتفتح النوافذ لتجديد طاقات الإبداع والابتكار في البحوث وهي وقود نهضة مرتقبة، ومن خلال المعرفة يمكننا الحصول على وضوح مستقبلي ذي ثراء تعددي أوسع وأكمل من خلال استيعاب مضاعف للمشهد الحضاري التنموي الذي تراهن بلادنا عليه في رؤيتها العظمى 2030، والتصنيف المعرفي التنموي وتداخل مفاهيمه ومكوناته الفكرية لا بد من معالجته من خلال البحوث والدراسات الممنهجة التي هي إحدى ركائز استراتيجية الابتعاث، وتخصيص المعرفة في مسارات استراتيجية الابتعاث وركائزها ومكوناتها، والاكتساب المعرفي في أروقتها من منابع سبقتنا في تأطير المفهوم وممارسة الإنتاج، ولقد برزتْ في حاضرنا الحديث حاجة ملحة إلى اندماج بعض العقول السعودية في الساحات العالمية للتلقي المعرفي الأكاديمي واكتساب المهارات؛ فالواقع والحال يحتم رعاية جذور المبدعين المبتكرين، فإذا ما ركب المبتعثون من أبنائنا قطارات العالم وهم يحملون مكونات الهوية السعودية، فسوف تتشكل منصات متينة ثابتة ليقرأ العالم خطابنا السعودي بوشاحه الحضاري الجديد، ويستدلون على خارطة الطريق نحو عقولنا وبلادنا، والواقع اليوم يتطلب حضارة تراكمية محلية وعالمية.
بوح الختام..
استراتيجية الابتعاث محمول جديد في خطابنا الحضاري فنأمل أن تعانق الأفلاك!