«الجزيرة الثقافية» - مسعدة اليامي:
لا أُخفي عليك، الإهداء يُكتب أولاً، فهذا يمنحني دُفعة معنوية قوية لأمنح هذه المجموعة اهتماماً واسعاً لتظهر بجودة نوعية تجعلها صالحة للإهداء، فمتى ما أُعدّت الهدية إعداداً مميزاً فسيبعثُ في نفس الكاتب والمتلقي الرضا والسعادة والقبول، ذلك ما أكده الأستاذ عبد الله في حديثه لقراء الجزيرة الثقافية.
* البداية كيف عرفت أنك تمتلك موهبة الكتابة القصصية، وهل كانت الموهبة تكفي لذلك؟
- بداية معرفتي بتمتعي بموهبة الكتابة عندي كانت من خلال أول تجربة لي في كتابة القصة القصيرة والتي كانت بعنوان (حبل الشيطان)، حيث شاركت بها في مسابقة أدبية نظّمتها كلية الشريعة بالأحساء عام 1422هـ ونالت على أثرها جائزة المركز الثالث، من هنا اشتعل فتيل قلمي بدَأَت مَلَكَة الكتابة تتفجّر في يدي، أيقنتُ بعدها أني موهوب، أما عن ما إذا كانت الموهبة وحدها تكفي فجوابي لا، فالقراءة المتأنية موهبة أخرى تسبق موهبة الكتابة، وأعني بالقراءة المتأنية أي أنني كُنت أقرأ كتباً ذات مضامين عالية وثرية معرفياً ولغوياً لكُتّاب بارعين في الأدب والعلوم الأخرى، فقد كُنت أُعجب بأسلوب كتاباتهم إلى حد أني كنت أدوّن كل معلومة أو عبارة أو جملة لفهمي مذكرة خاصة بي، فلما بدأتُ أكتب اطلع والدي على بعض ما كتبت فأوصاني بعدم التعجّل في الكتابة قبل أن أتزوّد أولاً بالقراءة، وأذكر جُملته الأثيرة لي: اقرأ يا ولدي سنتين حتى تكتب سطرين.
* كم من الوقت تمضي مع خير جليس وما أنواع الكتب التي تقرأ؟
- أمضي من الوقت في القراءة ساعة في اليوم وربما أكثر في أوقات الإجازة، أما عن الكتب التي أحرص على قراءتها بالتأكيد هي كتب الأدب وتحديداً في مجال القصة والرواية، وكذلك كُتب تاريخ الأمم والسيرة، وبحكم تخصصي في الصحة أحرص على قراءة كُتب التغذية وبعض العلوم الصحية الأخرى بين الحين والآخر.
* ما الكتب التي قرأت وساعدتك على تكوين هويتك القصصية؟
- أبرز هذه الكتب التي ساعدتني في تكوين هويتي القصصية هي كُتب: النظرات والعبرات لمصطفى لطفي المنفلوطي، ومجموعة مؤلفات جبران خليل جبران، وروايات التاريخ الإسلامي لجرجي زيدان، وروايات نجيب كيلاني.
* قبل أن تحجز لك مقعدًا ضمن كتاب القصة كيف أعددت نفسك وهل كانت مرحلة شاقة وهل لك مستشار تأخذ رأيه فيما تكتب؟
- في الواقع لم يكن الإعداد بالأمر الهيّن لترقى كتاباتي إلى مستوى ذائقة المتلقي وبلوغ رضا شريحة كبيرة منهم حتى بذلتُ من الوقت والجهد ما أعانني على تجاوز مراحل ومنعطفات صعبة صادفتني في الطريق، فبلوغ القمة تحتاج إلى همة عالية وخوض تجارب عدة حتى تصقل هذه الموهبة وتتميز بها، وأُدين بالفضل أولاً بعد توفيق الله عزّ وجل لعدد من الشخصيات في مقدمتهم والدي العزيز صالح الرستم هو أستاذي الأول لبداية مشواري للكتابة ومن بعدهم الأساتذة الكرام عبدالعزيز البقشي والأخوين حسن الربيح وعيسى الربيح.
* بعد الإدراك بالموهبة الإبداعية هل تكتب برؤية وخطط مدروسة للمواضيع القصصية أم بحسب الفكرة والمواقف والتجارب؟
- من خلال التجربة نعم أكتب بحسب الفكرة والمواقف، فالقاص الجيّد هو من يؤمن بأفكاره ومواقفه من خلال استشراف أحوال الناس وتلمّس أوجاعهم واحتياجاتهم. وعندما أنتهي من ذلك أدرس موضوع القصة وأعمل على تهذيبها إذا تطلّب الأمر ذلك.
* ما أهم الأدوات التي يتوجب أن ترافقك أثناء كتابة قصة أو جمع مجموعة قصصية؟
- الأدوات تبدأ من خلال جودة الفكرة وتفرّدها، ثم الاتساق الجيد في البناء الفني والتصويري للمشهد، وكذلك لابد من تمتع الكاتب بلغة رصينة وثرية بمفردات لغوية وبلاغية جاذبة ومميزة.
* مجموعتك القصصية النبش بين الركام, هل ذلك دلالة على بعض أو معظم الركام في قصص المجموعة، وهل ذلك الركام ناتج عن مواقف أو تجارب خاصة استدعتها الذاكرة؟
- العنوان يحمل دلالات عميقة، فمُعظم القصص التي ورَدَت في المجموعة كان بها جوهر يركن في قاع القصة أحاول أن أنبش الركام للوصول إليه أو أنفض عنه الغبار. أما عن ذاكرتي فهي حُبلى بالتجارب الخاصة والمواقف التي تستحق أن تُروى، وأغلب قصص المجموعة هي من وحي تجارب ومواقف شهدتها وعاصرت أحداثها.
* هل بالإمكان صناعة قصة من مستصغر الشر, وإن أخذنا مثالاً من مجموعتك قصة (حصار في الحمام) هذه المهارة ناتجة عن الدربة والمهارة في الكتابة القصصية أم الصدفة؟
- نعم صناعة أي قصة عظيمة تبدأ من كسرة خبز أو قطرة مطر أو دمعة أُنثى، ولا أنكر أنّ للصدفة تأثيرًا على قصص مجموعتي، وواحدة من تلك القصص هي قصة (حصار في الحمام)، وهي قصة حقيقية حدثت معي تحديداً في مرحلة عمرية مبكرة، فلذلك كُتِبَت بصدق، وغيرها من القصص مثل حسناء البحر وحظ كالرماد وحطام الذاكرة وغيرها.
* برأيك الكاتب نتاج خاص أو نتاج التراكمات القرائية والتجارب والأحداث التي يمر بها؟
- سؤال جميل، نعم القاص لا يكتب إلا نتاج ما يقرأ وما يسمع وما يرى، فأيامنا بل لحظاتنا ملأ بالقصص والحكايات العابرة لكنها لا تُقرأ بشكلٍ جيد، فهي بحاجة إلى صيّاد ماهر يقتنص تلك اللحظات قبل أن تهرب، وتجربتي سخية وغنية بهذه اللحظات المكتنزة.
* كيف تنتصر لموهبتك في ظل المسؤوليات الكثيرة في الحياة؟
- كُلنا بحاجة إلى خلوة ننتصر بها لذواتنا ونمنحها ما تُريد، ولا أعتقد أن المسؤولية مهما كبُرتْ حجمها تُفسد علينا مزاولة أعمال نُحبها، فكلّ شيءٍ بقدر، وهذا يدفعني دائماً للتخطيط وتوزيع الوقت بشكلٍ عادل.
* ماذا يعني لك كتابة الإهداء ومتى تفكر في ذلك قبل أو بعد جمع المجموعة القصصية؟
- لا أُخفي عليك الإهداء يُكتب أولاً، فهذا يمنحني دُفعة معنوية قوية لأمنح هذه المجموعة اهتماماً واسعاً لتظهر بجودة نوعية تجعلها صالحة للإهداء، فمتى ما أُعدّت الهدية إعداداً مميزاً فسيبعثُ في نفس الكاتب والمتلقي الرضا والسعادة والقبول.
* كيف رأيت قراءة مجموعتك القصصية النبش بين الركام من قبل أصدقاء السرد وماذا تنتظر من الناقد في قادم الأيام؟
- سرّني ما سمعته منهم، فهم على قدر كبير من الوعي والصدق والأمانة، ويكفي أن مجموعتي كانت محور اهتمامهم وعنايتهم في تلك الليلة، وأخص بالشكر الجزيل لمُعد اللقاء الأستاذ أحمد العليو الذي قدّمني وعرّف بي أصدقاء السرد الكرام، وكذلك للناقد المبدع الذي تولى قراءة وفحص مجموعتي الأستاذ زكريا العباد. وهو ناقد لا يُشقّ له غبار كُنتُ هذا ما أنتظره وقد بَلَغْتُ به مرامي.
* أثناء فترة الحجر هل نعمت بوقت فراغ طويل أم بحكم العمل شهدت أحداثًا كثيرة تستحق أن تكون مشروع قصص؟
- أظن واحدة من حسنات فترة الحجر هي بلوغ مجموعتي القصصية ذروتها ونضوجها الفني واللغوي، كُنت بالفعل بحاجة إلى هذه المساحة من الوقت لأكمل ما كنت قد توقفت عنه منذ زمن طويل، إلى جانب ذلك استطعت أيضاً أن أكمل فصول روايتي الأولى وأشبعتها بما يكفي لجعلها رواية مكتملة ومتينة في فترة الحجر، أما عن طبيعة عملي فهي حافلة بالأوجاع والمِحَن ومبللة بالدموع ورائحة العقاقير. فكانت لها حصة من وقتي واهتمامي.
* تشتهر منطقة الأحساء بوفرة كتابة القصة، إذاً أنتَ من بيئة تكتحل عينها بالقصة، هل لهذا السبب كنت ضمن لؤلؤ القافلة القصصية أم أن لك أسبابك الخاصة؟
- لا ليس هذا هو السبب، فأنا للأمانة لم أكن أعرف منهم أحدًا سوى بعدد أصابع اليد، وأظن -وهذا ما يغلب على ظني- أنني كنتُ وحيداً أكتب بصمت وهدوء منذ البداية حتى خرجت إلى الأضواء بعد إصداري الثالث. نعم أتمنى أن يكون حضوري في المشهد الثقافي على قدر كتّاب النخبة الكرام في القصة بالأحساء، وهم فعلاً مميزون وعددهم يفوق ما توقعت وقد التقيتُ بعدد منهم واستفدت كثيراً من تجاربهم.
* هناك من يرى أنه بكتابة القصة يضع نقطة في آخر السطر، وهناك من يرى أنه يسلط ضوءًا على قضية أو مشكلة، وهناك من يكتب لتشافي، أنت ماذا ترى من وراء ذلك؟
- حتى أحصل على نص ثري ومُمتع يتنفّس منها القارئ وَجَعَه لابد لي أن أتلمّس أحوال المجتمع، وأضع إصبعي على موضع الألم، وأركض خلف أي صُراخ يصدر من هنا أو هناك، فكل صراع أو مُشكلة أو قضية ما، خلفها قصة يانعة لابد أن تُروى بشكلٍ جيد. بشرط أن لا يجعل من نفسه واعظاً أو يتقمّص دور طبيب. فالقصة تُروى للتنفيس وللمتعة وللعبرة أو بأحدها.