وفاء العمير
بخطوات واسعة تنهبُ الأرض الملتهبة بحرارة الظهيرة، سارت نادية حتى وصلت إلى ما ظنّتها سيارة زوجها الواقفة بجوار المدرسة. فتحتْ الباب الأمامي، وجلست على المقعد المحاذي لمقعد السائق زوجها دون أن تنبس بكلمة. كان التعب قد هدّها بسبب الحصص الدراسية التي أعطتها هذا اليوم، فلم تنظر تجاهه، إنها حتى لم تستطع الإبقاء على عينيها خلف غطاء الوجه مفتوحة فأغمضتهما، وهي تطوي ذراعيها حول صدرها فوق العباءة السوداء. أدار الرجل القابع خلف المقود محرك السيارة، دون أن يلقي نظرة نحوها كذلك، بفعل الملل الناجم عن هذا الروتين اليومي المتكرر، والمتمثل بخروجه من عمله ليأتي ويأخذ زوجته من دوامها. انطلق بالسيارة يطوي الطريق طيّا، وعندما وصل إلى منزله، ترجل صامتا، وفتح باب المنزل بالمفتاح الذي معه ثم دخل. فتحت نادية عينيها، ونظرت حولها، ثم تمتمت بحيرة: ما هذا المكان؟ أين أنا؟ ولماذا دخل خالد إلى هذا المنزل؟ إنه ليس منزلنا.
لكنها مع ذلك، وبرغم أنها لم تفهم، تبعته إلى الداخل. وقفت في الصالة ورفعت الغطاء عن وجهها. كان هو يوليها ظهره، ويقوم بتشغيل التلفزيون. عندما التفتَ نحوها ندّت عن الاثنين صرخة فزع عالية. بسرعة وبحركة غريزية أعادت نادية الغطاء على وجهها.
قال: من أنتِ؟ وأين زوجتي ليلى؟
أجابته بخوف هائل: أنت من تكون؟ أين زوجي؟ ولماذا جئتَ بي إلى هنا؟ هل اختطفتني؟
أوشكتْ أن ترفع صوتها بالصياح مستغيثة، إلا أنه أسرع ووضع يده على فمها من خلف الغطاء كي يمنعها من الصراخ، وقال بتوتر: لقد حدث خطأ، هذا مؤكد، التفسير الوحيد لما حدث هو أنك بغبائك أخطأت في السيارة، ظننتِ أنها سيارة زوجك.
شعرت نادية بأن هذا ما حدث فعلا فهدأت قليلا، وتوقف جسدها عن الارتعاش، ولكن الخوف مع ذلك لم يغادرها، بسبب وقوعها في هذا الموقف السيئ. أبعد يده عن فمها. قالت، وكأنها تنبهت لتوها: لابد أن زوجي ينتظرني عند المدرسة.
قال وهو ينظر إلى الأرض: وزوجتي أيضا.
ـ علينا أن نعود بسرعة إلى المدرسة. قالت.
في غضون دقائق كانت السيارة تتوقف أمام باب المدرسة، ويخرج الاثنان منها. كانت ليلى تنتظره بجانب البوابة، عندما وقعت عيناها عليه وهو برفقة زميلتها نادية، عرفتها من عينيها المدورتين كعيني القطة، صاحت به بانفعال شديد مشيرة بإصبعها ناحية زميلتها: ماذا تفعل مع هذه؟
ردَّ بنبرة منكسرة: الأمر ليس كما تظنين، حدث خطأ بسيط.
وكأنها لم تسمع، اتجهت صوب نادية بسرعة البرق، وجذبتها من رأسها بقوة، وهي تقول بغضب: تخونينني مع زوجي، هل وصل بك الأمر إلى هذا الحد؟
في هذه الأثناء كان خالد قد سئم من الانتظار وهو قابع في الحرّ الشديد داخل سيارته، فغادرها، واقترب من بوّاب المدرسة، كي يطلب منه أن ينادي على زوجته في الداخل، فوجد نفسه في مواجهة شجار عنيف بين زوجته وتلك المرأة الغريبة التي كانت تتلفظ عليها بكلمات نابية. حينما شاهدته نادية اندفعت نحوه لتحتمي به، متخلصة من ذراعي ليلى الحديديتين.
سأل خالد زوجته باستغراب: ما الحكاية؟
فسارعت ليلى لتقول: كانت هذه المرأة مع زوجي في سيارته. كانا قادمين معا، الله أعلم من أين؟
صرخ زوج ليلى بها قائلا: اسكتي، لقد فضحتِنا.
نظر خالد بعينين زائغتين إلى نادية، وسألها: هل هذا صحيح؟ هل كنتِ مع هذا الرجل؟
ردّتْ متلعثمة: لا تصدق هذا الكلام، لقد حدث خطأ، ركبتُ سيارته وأنا أظن بأنها سيارتك.
أجابها بنبرة جعلتها ترتعش: وعندما تبيّن لك أنها لم تكن سيارتي، لماذا لم تنزلي منها على الفور؟
ـ لا أعرف، كنتُ نائمة.
ـ هل تريدينني أن أصدق؟ نائمة طوال الطريق؟ هل تجدينني غبيا لهذه الدرجة؟
ـ أنتَ غير معقول.
ثم بدأت أصواتهم تعلو بالصراخ على بعضهم البعض بشكل رهيب، وخرجت الأمور عن السيطرة، وأصبحت فوضى عارمة. عندما رأى البوّاب ذلك اتصلَ بالشرطة، ليجدوا حلا لهذه المشكلة العويصة.