رؤية - خالد الدوس:
منذ انطلاق المملكة العربية السعودية كيانا موحدًا عام 1351هـ على يد الملك المؤسس عبد العزيز -طيب الله ثراه- بدأت رحلة التغير الاجتماعي الكبير لهذا المجتمع العربي الأصيل، فالتغير الاجتماعي سنّة كونية ماضية في البشر والمجتمعات والأمم، وهناك فرق بين مصطلحي التّغير والتغيير فإنه كلما تدخل الإنسان في إحداث التغّير أطلق على هذه العملية تغييراً، وغالبا ما يكون هذا التغير مخططاً له ومقصوداً لذاته، ويكون قائماً على تخطيط مسبق قبل التنفيذ للوصول إلى أهداف محددة ومعروفة.
وعبر هذه الزاوية الثقافية نسلط الضوء على معطيات كتاب (المجتمع السعودي بين التغّير والتغيير-دراسة سوسيولوجية، للمؤلفة أ.د.بدرية بنت محمد العتيبي أستاذ علم الاجتماع بكلية العلوم الاجتماعية - جامعة الامام محمد بن سعود الإسلامية.
*الكتاب يتضمن دراسة سوسيولوجية عن الانساق الاجتماعية في المجتمع السعودي تبرز جانبا من حياة مجتمع هذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس حيث تركيز البحث والتقصي والتحليل حول قضايا التغيّر الاجتماعي والتغيير الاجتماعي تناولتها المؤلفة بفكر رصين يتكئ على خبرة أكاديمية عميقه كمتخصصة في علم الاجتماع.
ففي المبحث الاول تناولت المؤلفة موضوع التغيير الاجتماعي والتغّير الاجتماعي، يتضمن التعريف بالمصطلحين، ودراسة التغير الاجتماعي بين الاستمرارية والتغير، وتم استعراض نظريات التغير الاجتماعي بمراحلها التاريخية المختلفة مع التركيز على النظريات المعاصرة والتحديثية.
وناقش المبحث الثاني: الانساق الاجتماعية في المجتمع السعودي (مقدمة نظرية عن الانساق، والنسق التربوي) وهو بداية خمسة مباحث تتناول كلها قضايا الانساق الاجتماعية في المجتمع السعودي، وتم استهلال هذا المبحث بتناول التطور التاريخي لنظرية الانساق العامة وفرضياتها وشرح مصطلحاتها، وتم تناول النسق التربوي السعودي باعتباره من اهم انساق المجتمع السعودي.
وركز المبحث الثالث على الانساق الاجتماعية (النسق الثقافي، النسق العائلي، النسق الاقتصادي، النسق الاعلامي): وفيه تم تناول النسق الثقافي وما يرتبط به من ظواهر، وما يلاقيه من صعوبات، مع ضرب مجموعة من الامثلة من الواقع الاجتماعي السعودي وكيفية مواجهة هذه الصعوبات، ثم النسق الديني ودوره في تعزيز الامن في المجتمع، وأما النسق العائلي فقد تعمدت المؤلفة فصله عن النسق الأسري نظرا لشيوع نمط الاسرة النووية في المجتمع السعودي المعاصر، بينما شاع النسق العائلي في مجتمع ما قبل النفط بشكل يكاد يكون حصرياً وكلا النسقين ما زال يؤثر في الاخر ويتأثر به، كما تناول المبحث النسق الاقتصادي تم تتبع هذا النسق منذ قيام المملكة العربية السعودية حتى اليوم مع ربط الاستقرار والنمو الاقتصاديين بقضية الامن والاستقرار، ثم ختم هذا المبحث بتناول النسق الاعلامي السعودي في زمن تضاءلت فيه الجغرافيا وتلاشت الحدود بين الدول بفضل الله ثم التطور المذهل لتقنيات التواصل والاتصال.
واهتم المبحث الرابع: بالنسق القيمي في المجتمع السعودي: وفيه تم تناول النسق القيمي فقط باعتبار أهميته المفرطة في جميع الانساق الاجتماعية الاخرى مع التركيز على مجموعة من العوائق والمشكلات المجتمعية الساخنة والتي أثر ظهورها على منظومة القيم في المجتمع.
أما المبحث الخامس: استعرض النسق البدوي في المجتمع السعودي: وتم التركيز على هذا النسق أيضا لما له من أثر بالغ في المجتمع السعودي، باعتبار أن القبيلة مازالت رغم التطور الكبير الذي وصل إليه المجتمع إلا أن القيم الأصيلة مازالت هي الحاكمة، وهي المؤثرة بشكل كبير على النسق الاجتماعي العام في المجتمع السعودي.
وتطرق المبحث السادس: إلى النسق الأسري في المجتمع السعودي: وفي هذا المبحث تم تناول هذا النسق الأساس، أو النسق النواة، باعتبار أن الأسرة هي الخلية الأولى للمجتمع ومن خلالها تبدأ تنشئة الأطفال وهي مصنع الرجال ومصنع المرأة التي ستصير أماً فيما بعد وتم تناول هذا النسق من خلال تعريف مفهوم الأسرة والفرق بينها وبين العائلة، وتم تقسيم الأسرة السعودية إلى ثلاث مراحل : مرحلة ما قبل النفط. ومرحلة ما بعد النفط. ومرحلة الأسرة الحديثة في زمن الانترنت والبلاك بيري، والفضائيات وغيرها من تقنيات التواصل والاتصال التي أثرت بشكل كبير على الأسرة السعودية.
وحدد المبحث السابع: البناء التنموي والفكري للإنسان السعودي: وفيه تم تناول قضايا التنمية في المجتمع السعودي وعلاقتها بتنمية عقل ووجدان هذا الإنسان، وتم تناول قضايا التغير والتغيير الاجتماعيين بالتنمية البشرية والمادية.
بينما تناول المبحث الثامن: سوسيولوجيا الحركة المجتمعية في المجتمع السعودي : وفيه تم تناول الفرق بين الدراسة الاجتماعية والدراسة المجتمعية والفكر السوسيولوجي الثابت منه والمتغير نتيجة الاحتكاك بالفكر العالمي المعاصر في عصر العولمة.
في حين ناقش المبحث التاسع: الشورى في المجتمع السعودي: وفيه تم تناول مفهوم الشورى في الإسلام، مع قراءة لنظام الحكم السعودي، وهوية الدولة وسلطاتها الثلاث، ومراحل نشأة وتطور مجلس الشورى السعودي.
وعرج المبحث العاشر: إلى الرعاية الاجتماعية في المجتمع السعودي: وفيه تم تناول مفهوم الفقر عموماً وفي المجتمع السعودي خصوصاً، ومفهوم الرعاية الاجتماعية وآلياتها في المجتمع السعودي لمواجهة ظاهرة الفقر.
أما المبحث الحادي عشر: فقد سلط الضوء على الإصلاح في المجتمع السعودي: وفيه تم تناول مفاهيم الإصلاح والتحديث والمفاهيم المرتبطة بهما، وعوامل الإصلاح والتحديث وأهميته.
وأخيرا ناقش المبحث الثاني عشر: رؤية مستقبلية للمجتمع السعودي: وفيه تم تناول مجموعة من الرؤى والأفكار المستقبلية من خلال مناقشة قضيتين في منتهى الأهمية، هما قضيتا القطاع الخاص ودوره الاجتماعي في عملية التنمية الاجتماعية، وتدريب العمالة الوطنية، وذلك من خلال تقديم نموذج مقترح لتفعيل هذا الدور المناط بالقطاع الخاص، والقضية الثانية هي قضية السعودة وهي من الأهمية بمكان بحيث تمثل حجر الزاوية لانطلاق هذا المجتمع إلى آفاق أرحب من التقدم والرقي والرفاه في ظل رؤية المملكة الطموحة 2030 بقيادة عراّبها ومهندسها سمو ولي العهد الامين الامير محمد بن سلمان حفظه الله.