[3]
[تابع لسابق] وأنا ما علمتُ بهذه الحبكة ولا بتداعيات حضوري والإرباك الَّذي وقع فيه المدرِّبون الأفاضل في معالجة حضوري ومناقشة طرق منعي من ذلك، وعقد الاجتماعات وتداول الرَّأي والعصف الذِّهنيُّ من أجل منعي من الحضور ما علمتُ بذلك كلِّه إلَّا بأخرة بعد ما انتقلت من التَّعليم العامِّ إلى التَّعليم العالي، ومن عجبٍ أنَّ الَّذي خبَّرني بذلك هو المدرِّب الثَّاني نفسه الَّذي ألغى الدَّورة، ولا أعلم سبب إخباره إيَّاي بذلك، وهو أمر لا يسرُّني، وقد ساءني هذا الفعل منه ابتداءً وإخباراً، فلم يذكر لي مسوِّغاً لفعله يومها، ولا غايته من إخباري بذلك الآن، وأمَّا حديث إخباره إيَّاي بذلك فهو أنَّي كنت زائراً (مُسيِّراً) على مجموعةٍ مجتمعة في أحد البساتين خارج مدينة حائل وكان هذا المدرِّب من ضمنهم، ولمَّا جلسنا خبَّرني بالحادثة وما صنعوا وكيف اجتمعوا وما سقته في فارط المقالات من خبر الحكاية، وقد ذهل الجميع من حديثه هذا لمَّا ذكر ذلك، ولكنَّ ما سأله أحد من أهل تلك الجلسة عن سبب صنيعه ذلك؛ أي: عن سبب عدم وقوفه في صفِّي وكونه شارك معهم في إعاقتي وعدم تمكيني من حضور الدَّورة إلى أن هدمها، وقد كان لهم معيناً وكنتُ أحسبه عضيداً ومعيناً لي بين أهل التَّدريب، ولعلَّ جماعة الجلسة رغبوا أن يكون ذلك مني، وأنا لم أرغب في تكدير صفو الجلسة، وأنا كنت قادماً من الرِّياض زائراً بلدتي حائل، فلاطفني القائم بالطَّلعة (المعزِّب) لمَّا علم بمقدمي إلى حائل بزيارتهم في تلك المزرعة فأجبته إلى طِلبته، وأنا الضَّيف الزَّائر لهم، وأمر القضيَّة قد مضى زمنه وانقضى إلَّا من ذكرياته، فازدرتها على مضضٍ، لكنَّها لم تنبلع!
وقد ثقُل ذلك عليَّ أنَّ المدرِّب الثَّاني قد جمعتني به زمالة عملٍ في ثانوية ما، فقد كنَّا معلِّمَين للغة العربيَّة فيها، وعملتُ معه معلِّماً أيضاً لمَّا أن كان وكيلاً في إحدى الثَّانويات في مدينة حائل، ثُمَّ لمَّا أن كان مديراً بعدُ لها، وعملت معه أيضاً في الثَّانويَّة النَّهاريَّة والليليَّة، وكنت لا آلو جهداً في إنجاز العمل على أحسن حال معه ومع غيره، فعندي بحمد الله انتماء لعملي في أيِّ مكان أكون فيه، هذا ما ربَّانا عليه أبي عليه رحمة الله ورضوانه، وفوق ذلك فأهل هذا المدرِّب من أهل ودِّ أبي رحمه الله ورحمهم، وكان أبي -رحمه الله ورضي عنه- يثني على أهله خيراً، يصفهم بالدِّيانة والصِّيانة أعني بذلك والد المدرِّب الثَّاني وأعمامه على الجميع رحمة الله، ولكن حسبي من حاله هذه قول أبي محسَّد:
يقضى على المرء في أيام محنته *** حتَّى يرى حسناً ما ليس بالحسنِ
وأخيراً أقول: لا أعلم سبباً يدعوه لإخباره إيَّاي إلَّا أن يكون ذلك تأثُّماً ممَّا صنع.
عوداً أقول: لمَّا أن طالبت بشهادة تلك الدَّورة الَّتي مزِّقت امتنعوا وتأبَّوا ورفضوا كلَّ محاولاتي في استجدائهم، ذلك بحجَّة أنَّها لم تتمَّ، وهي قد ألغيت من قبل مدرِّبهم، وقد كنتُ بأمسِّ الحاجة إليها لزيادة نقاطي في استمارة الابتعاث الدَّاخلي (التَّفريغ)، وليس لي من فرصة لزِّيادة النِّقاط إلَّا بهذه الدَّورات، وهي دورة مؤجَّلة فكانت آخر دورة في ذلك الفصل الدِّراسيِّ، وأهل التَّدريب كلُّهم رئيساً ومرؤوسين يعلمون مسيس حاجتي إلى ذلك، فلا أريد أن يفرط منِّي شيء ممَّا سجَّلت فيه منها، خصوصاً من دورة قد حضرنا وانعقد أكثرها، وأنَّ المشكلة من قبلهم لا من قبلنا، فلمَّا أبوا ذلك كتبتُ بطلب شهادة الدَّورة خطاباً إلى مدير عام التَّربية والتَّعليم بمنطقة حائل سعادة أد. عثمان بن صالح العامر -سدَّده الله ووفقه- فقرأه، وشرح عليه مباشرة بطلب سبب إلغائهم الدَّورة وسبب امتناعهم من إعطاء شهادة حضور لمن حضر الدَّورة.
وهذه من نوافل سعادته أنَّه يكسر البيروقراطيَّة إذ شرح على خطابي وناولني إيَّاه، وأن أعطيه رئيس التَّدريب والابتعاث، وفعلاً ذهبت عند الرَّئيس، وكان مكتبه في مركز التَّدريب، فناولته الخطاب، فقرأه وقال لي: راجعنا غداً، قلتُ: ما أنتم فاعلون؟ وما العمل الآن؟ قال: سأشرح عليه، وأحيله إلى مدير المركز، وكان بين مكتبيهما ثلاثة أمتار فحسب، قلتُ: هذا المدير بجوارك فلم آتي غداً؟ فقال العبارة البيروقراطيَّة المعتادة من ذوي المناصب والمديرين: لستَ أنت من يعلمنا شغلنا، راجع المدير غداً، فذهبت وأتيت من غدٍ إلى مدير المركز فإذا به مبتهج منشرح الأسارير، وذلك أنَّه قد ظنَّ أنَّه وجد عليَّ مدخلاً في طلبي وعلى شكواي، وذكر لي أنَّك رفعت شكواك إلى مدير التَّعليم ذاكراً فيها انعقاد الدَّورة، ولم تذكر أنَّها لم تتمَّ، فقلتُ: هذا إليكم لا إليَّ، وعليكم وزره لا عليَّ، وفوق ذلك الدَّورة في الحقيقة تمَّت إذا نظرت لها من جانب آخر غير المخطَّط لها، وذلك أنَّها ثلاثة أي ام مكتبيَّة تنظيريَّة، واليوم الرَّابع تطبيقيٌّ بحلَّ مشكلة الباب بإشراف المدرِّب، والخامس تطبيقيٌّ ميدانيٌّ كلُّ واحد منا على حدة من غير إشراف، فتمَّت خمسة أيَّام، فإن لم تقبلوا قولي هذا: فاعقدوا لنا بديلاً من اليومين اللذين لم يتمَّا، وتمِّموها ولا تلغوها علينا، وقد ذكرت مشكلة الباب ولم أكن أعلم عن خفيَّات الأمور، بل أتكلَّم بحسب ظواهر ما جرى لا عن خفيَّاته. فقال المدير: راجعنا بعد أسبوع، وسننظر في أمرها، فلمَّا مضى الأسبوع راجعتهم، فقال لي: قد نعقد لكم يومين بديلاً من اليومين اللذين لم يعقدا، وعليكم بطلب ذلك من المدرِّب الأوَّل تواصلوا معه، وقد تواصلت معه فكان يعتذر بانشغاله وأنَّ الأمر يحتاج إلى تجهيز وإعداد قد يستغرق شهراً أو شهرين، ويكثر من هذه الأعذار الَّتي لا تنهض، ونحن نعلم أنَّ عقد هذه الدَّورات لا تحتاج إلى مثل هذا التَّطويل ولا إلى هذا الهذر والتَّهويل؛ لأنَّ الأمر شبه جاهز حقيبة مجهَّزة فيها أقراص ممغنطة، وتعرض عبر (بوربوينت)، وهي مرتَّبة على شكل خمس حلقات، والحلقة الخامسة هي أقصرها لأنَّها تتخللها توزيع شهادات الحضور، وبعد لأيٍ وطولٍ تمطيط وكثرة أعذار و(نَجْلَةٍ قولٍ) وأخذ وردٍّ بيني وبين المدِّرب الأوَّل وبين مدير التَّدريب بعد هذا كلِّه لم يتمُّوها لنا، بل اكتفوا بأن طبعوا لنا الشَّهادات بثلاثة الأيَّام فقط.
وقد علمتُ أنَّه قد حدث عندهم حدث جلل، ولعلَّه هو الَّذي سرَّع بطباعة شهادات الدَّورة بثلاثة أيام مدَّة هذه الدَّورة، وذلك أنَّه في نهاية الفصل الدِّراسيِّ وقُبيله زار الإدارة العامة للتَّربية والتَّعليم بحائل مسؤول من قبل وزارة التَّربية والتَّعليم هو د. الوزرة كما قيل لي، ولا أعرف سبب الزِّيارة ولا سبب التَّفقُّد، لكن يتناقل المعلمون أنَّ سبب ذلك هو طلب الإدارة في حائل من الوزارة عدداً من المعلمين، في حين أنَّ الوزارة ترى أنَّ أعداد المعلمين في حائل كافٍ، فجاء متفقِّداً الميدان التَّعليميَّ في حائل، وسائلاً عن أعداد المعلمين الَّذين يعملون مشرفين تربوييِّن، ومدرِّبين، ومن هو مكلَّف بأعمال إداريَّة بالإدارة، ومن هو مفرَّغ لأعمال غير التَّعليم، وممَّا زار وذلك هو ما يخصُّني مركز التَّدريب، فوجد المشرفين المدرِّبين (15) مدرِّباً في مركز التَّدريب، فأمر المسؤول الزَّائر رئيس التَّدريب بأن يختار منهم (10) من المدرِّبين يقتصر عليهم، وخمسة ينزلون للميدان معلمين في المدارس، وكان جلُّ هؤلاء الخمسة الَّذين أنزلوا إلى الميدان ممَّن كنت أتردَّد عليهم طلباً للفزعة والتَّوسُّط في إشكاليَّة أمري مع الرَّئيس ومدير المركز، ولم أكن أعلم بخفيَّات الأمور أنَّهم يعملون جميعاً ضدي، وأنا ألوذ بهم مستفزعاً، وأحكي وأشكي لهم ما أجده من الرَّئيس والمدير، وهم يعطونني كلاماً لا ثمرة له، ويظهرون معي تعاطفاً كلاميًّا، ودواخلهم وفعلهم مع مركزهم رئيساً ومديراً، ولم يمحضونني النُّصح، ولم يذكر لي أحدٌ منهم أنَّ الجميع يأتمرون في أمري بالرَّفض وعدم الاستجابة لي، ويسعون ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً من عدم تمكيني من حضور الدَّورات. والله المستعان. [متبوع]
** **
- د. فهيد بن رباح بن فهيد الرَّباح