عندما يدخل الحب القلب فإنه قد يبدأ صغيرا؛. بنظرة كما يقولون أو بنبرة صوت كما يحكون أو حتى برائحة كما قد يدّعون. لكنه يكبر ويكبر حتى يسيطر عليه يأخذ بجوانبه يحتله ويخرج سكانه الأصليون غير عابئ بصراخهم، بآلامهم، بأناتهم، بمعاناتهم، فهو يحتله وحسب. يتحول القلب مع هذا الواقع إلى ما يشبه الشعب المحتل.. قد يقاوم وقد يتعاون مع المحتل أو قد يتماهى معه، وقد يتحول إلى ما يشبه الطير الذي يحب سجانه.
هذا ما شعرت به عندما قرأت رواية (مدينة الحب لا يسكنها العقلاء) للكاتب أحمد آل حمدان الذي يحكي فيه قصة شخص افترق عن خطيبته التي أوشك على الزواج بها لكنه لم يوفق ولم يكن قد باح بمشاعره كلها نحوها، فحاول أن يوصل لها مشاعره المحملة باعتذارات وكلمات حب جميلة يصف فيها حاله بعد فراقه فلم يجد سوى أن يقوم بتأليف كتاب يسطر فيه مشاعره ويضع صورته على غلافه علها تمر ذات يوم على مكتبة وترى صورته وتتناول الكتاب وتقرأه وتعرف حجم الحب الذي يكنه لها.
ورغم أن الكاتب لا يعترف ولا ينكر أن القصة وقعت له شخصيا، إلا أنني ككاتب أشعر بأن حجم المشاعر ورقتها وسرعة تدفقها وانسيابيتها وغزارة العاطفة فيها تعزز لدي فكرة أنها نبعت من معاناة شخصية، وإن لم يكن كذلك فنتيجة براعة عالية من الكاتب في اختيار الكلمات وفي وصف لحالة العشق والهيام لحبيب متيم يشعر بالضياع كونه لن يلتقي حبيبته أبدا والأدهى من ذلك أنها لا تحب القراءة!
يقول الكاتب في جانب من الرواية التي قرأتها في جلسة واحدة بأن حبيبته لو شاهدت غلاف الكتاب صدفة في إحدى المكتبات (لن تصدق عينيها، ستتأكد من أن صورة الشخص الذي على الغلاف هو ذاته الشخص الذي كانت تحبه يوما، ثم فارقته وهي تعتقد بأنه لم يبادلها شعور الحب قط) (يا أيتها الأقدار صالحيني ولو مرة، فقد أخطأ الفراق بحقي كثيراً، هذا الكتاب رسالة إلى تلك الغائبة، تلك التي لم أعد أعلم عن أمرها شيئا، تلك التي ما عاد الوصول إليها ممكنا، يا أيتها الأقدار، دعيها تمض بمحاذاة هذا الكتاب، دعيها تلتفت إليه، دعيها تتعرف على صورتي المطبوعة على غلافه) (كنت طائشا قبل أن ألتقي بك .. ثم ذات مساء دعت لي أمي بأن يصرف الله عني كل شر ويهيئ لي كل خير فسقط الجميع فجأة وجئت) وهكذا يستمر الكاتب في ملحمته السردية (141 صفحة) حتى يقول في نهايتها (أسدلت الستارة وتمددت فوق السرير أعتقد بأني سأنام طويلا وسواء استيقظت أو لم أستيقظ تذكري أنني: آسف ولن أنساك وسأحبك بكل حواسي وأحملك في قلبي دائما وستبقين رفيقة الروح إلى الأبد).
لكن هل تكتشف الحبيبة أمر هذا الكتاب بعد انتشاره؟ هذا ما يجيب عنه الجزء الثاني منه.
** **
- يوسف أحمد الحسن