تكادُ تُجمِعُ الآراءُ على أنَّ ابن خالويه) ت370هـ) - لو صحَّت سُنيَّته- شافعي المذهب، فقد ترجمت له كتب طبقات الشافعية، وظهرت ثقافته الفقهية الشافعية في عدة مواطن من مؤلفاته، وتفصيل ذلك على النحو الآتي:
1- ترجمته في كتب طبقات الشافعية: فقد ترجمه تقي الدين السبكي (ت756هـ) في طبقاته ونقل عنه بعض الفوائد الشافعية، وقال جمال الدين الأسنوي (ت772هـ)، «هو شافعي المذهب، صحيح الانتماء إليه». وقال السيوطي(ت911هـ): «وكان شافعيًّا»
2- روايته لبعض كتب الشافعية: قال تقي الدين السبكي: «وقد روى مختصر المزني عن أبي بكر النيسابوري (ت324هـ)». وهو كتاب عمدة في المذهب الشافعي.
3- نقله عن المذهب الشافعي وترجيحه تارة ومعارضته تارة: فقد حكى ابن خالويه في «إعراب ثلاثين سورة» (ص15) مذهب الشافعي في البسملة وكونها آية من أول كل سورة، قال: «اعلم أن بسم الله الرحمن الرحيم آية من سورة الحمد وآية من أوائل كل سورة في مذهب الشافعي، وليست آية في كل ذلك عند مالك، وعند الباقين هي آية من أول أم الكتاب وليست آية في غير ذلك... والذي صحَّ عندي فمذهب الشافعي رحمه الله وإليه أذهب».
وقال السبكي: «وأتى بلطيفة غريبة فقال: حدَّثني أبو سعيد الحافظ ولعلَّه ابن رُمَيْح النسوي أحمد بن محمَّد، قال: حدثنا أبو بكر النيسابوري، قال: سمعت الشافعي يقول: أول الحمد بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وأول البقرة الم. وهذا الوجه حسنٌ، وهو أن البسملة لما ثبتت أولا في سورة الفاتحة فهي من السُّور إعادةٌ لها وتكريرٌ، فلا تكون من تلك السُّور ضرورة، فلا يُقال هي آية من أول كل سورة بل هي آية في أول كل سورة».
ومن الأقوال الفقهية الشافعية التي في كتبه:
- قال في شرح المقصورة (ص421): «العبد دخل فيه الأمة والعبد، كذلك يقول الشافعي، ولا يصح ذلك عندي...».
- أخذٌ (عارضٌ) برأي الشافعي في شرح المقصورة في حل أكل ميتة البحر (شرح المقصورة ص213).
- ونقل قصة وشعرًا عن الشافعي، وتناقلها عنه العلماء، وهذه القصة هي: «... قالَ ابنُ خَالَوَيه: حدَّثُونا عن العبَّاسِ بنِ الأَزْرَقِ، قال: دخلتُ على أبي عبدِ اللهِ محمَّدِ بن إدريسٍ الشَّافعيِّ -رحمه الله- فقلتُ: يَا أبا عبدِ الله، أما تُنصفُنا؛ قد تحقَّقتَ بهذا الفقهِ، فتأخذُ به الجوائزَ والأرزاقَ والصِّلاتِ، ولا حظَّ لنا في ذلك، وقد جئتَ تداخِلُنا في الشِّعرِ وهذا لا يعنيك، إمَّا أنْ تُشركنا في الفقهِ أو تتركنا والشِّعرَ، وقد جئتُ بأبياتٍ أنشدُك إيَّاها، فإنْ أجزتها بمثلها تُبتُ من الشِّعْر، وإنْ عجزتَ تتوبُ أنتَ.
قال: فقال الشَّافعيُّ: إيهِ يا هذا. قالَ ابنُ خالويه: والعربُ إذَا أَمرَتْ قالتْ: إيهِ، وإذا نهتْ قالتْ: إيهًا. وإذا زجرتْ قالتْ: ويه. وإذا استطالتْ قالتْ: ويهًا. وإذا توجَّعت قالت: آهًا.
وكانت الأبياتُ: [الكامل]
مَا هِمَّتي إِلاّ مُقَارَعَةُ العِدَا
خَلُقَ الزَّمَانُ وهِمَّتِي لَمْ تَخْلَقِ
وَالنَّاسُ أَعْيُنُهُمْ إِلَى ثلْبِ الفَتَى
لا يَسْألُونَ عَنِ الحِجَا والأَوْلَقِ
لَكِنَّ مَنْ رُزِقَ الحِجَا حُرِمَ الغِنَى
ضِدَّانِ مُفْتَرِقَانِ أَيَّ تَفَرُّقِ
لَوْ كَانَ بِالحِيَلِ الغِنَى لَوَجَدتَّنِي
بِنُجُومِ أَقْطَارِ السَّمَاءِ تَعَلُّقِي
قالَ له الشَّافعيُّ: أَلَا قلتَ كمَا أقولُ ارتجالاً: [الطويل]
إِنَّ الَّذِي رُزِقَ اليَسَارَ فَلَمْ يُصِبْ
أَجْرًا وَلَا حَمْدًا لَغَيرُ مُوفَّقِ
الجِدُّ يُدْنِي كُلَّ أَمْرٍ شَاسِعٍ
والجَدُّ يَفْتَحُ كُلَّ بَابٍ مُغْلَقِ
وَإِذَا سَمِعْتَ بِأَنَّ مَجْدُوْدًا حَوَى
عُوْدًا فَأَوْرَقَ فِي يَدَيْهِ فَصَدِّقِ
وَإذَا سَمِعْتَ بِأَنَّ مَجْدُوْدًا أَتَى
مَاءً لِيَشْرَبَهُ فَغاضَ فَحَقِّقِ
وَأَحَقُّ خَلْقِ اللهِ بالهَمِّ امْرُؤٌ
ذُوْ هِمَّةٍ يُبْلَى بِعَيْشٍ ضَيِّقِ
وَمِنَ الدَّلِيْلِ عَلَى القَضَاءِ وكَوْنِهِ
بُؤْسُ اللَّبِيْبِ وَطِيْبُ عَيْشِ الأَحْمَقِ
قال: فقالَ: يا أبا عبدِ اللهِ! لا قلتُ شِعرًا».
كما أنه كان مطلعًا على فقه الشيعة باعتباره ثقافة العصر، ومذهب السلطة الحاكمة، فقد نقل رأي علي بن أبي طالب في أكل نوع من السمك قال (شرح المقصورة ص218-219): «الجِريّ والجِرِّيثُ سواء، وهو جنس من السمك نهى علي -رضي الله عنه- عن أكله. حدثنا علي بن هارون النديم، قال: حدثنا علي بن السراج المصري بسند يعزوه إلى علي رضي الله عنه، إنه دخل السوق فقال: لا تأكلوا الأنكليس ولا الجِرِّيث».
فمن الذي سبق يتضح أن ابن خالويه كان شافعي المذهب، وكان متمكنًا منه ويختار ويرد، وكان مهتمًّا بأخبار الشافعي رحمه الله، مثل شيخه ابن دريد الذي رثى الشافعي في قصيدتي ن، وكان أيضًا مطلعًا على الفقه الشيعي باعتباره ثقافة العصر، ولكن الغالب في كتبه التي وصلت إلينا هو المذهب الشافعي.
** **
د. محمد علي عطا - رئيس قسم اللغة العربية وعلومها - جامعة باشن العالمية المفتوحة بأمريكا
Ma.ata.2020@gmail.com