الأديب هو حصيلة تجانس (الإنسانية مع المعاناة) لذا يكون للكلمة حضور قوي يسترعي الانتباه ويجذب الاهتمام وتلفت أولى الألباب.
الكلمات الأدبية اليوم تطرب البعض ولكن بعضها لا تهز قناعاتنا ولا تحرك دواخلنا ولا تغير سلوكنا، إذا ما قورنت بكلمات الأديب سابقاً، كلماتهم تتسلل إلينا طواعية فتنفتح أبواب الصمت على شفاهنا وتولج من خلال الدهشة أذهاننا، وتصل بنا حد الانبهار! ونتساءل بتعجب: أنى لهذا الأديب هذه الكلمات؟! كيف وظّفها واستثمرها وطوّعها لصياغة فكره، بل وكيف أطلق عنان هذا الشعور تجاهنا؟! وكيف وقع واستقر في قلوبنا؟
المعاناة قديماً وحديثاً، وجدت لتدلنا على جوهر الحياة، والوجدان فطرياً ينبض ولكن تناول الإنسان لها هو الذي اختلف، فبعض الأدباء اليوم نشأ مترفاً غضاً طرياً يهتم بالقشور تستنزفه المواقف وتقتله الخيانة ويبيده الحزن، وهو من قَبِل أن يجعل صدره حضنا لكل الإحباطات حوله، فيتقمصها ويتدثر بها فتنمو بداخله ويخبو نور أدبه ويتلاشى حد الانتهاء ولربما يختم بجذوة أدبية ترسي مآسي الزمن وتعزز للاستسلام فتنتشر هذه الجذوة أشلاء يتلقفها جبان آخر لا يقو على المجابهة ولا المواجهة ويرفع الراية ويجعلها متنفساً لعثراته، إيذاناً بالهزيمة قبل أن يدخل ساحة الأدب ويشتد عوده، فينسج مقطوعات لتطرب الأجساد لم تنسج للعقول، وبذلك يستسلم العقل لهوى الجسد، ويخضع ويحاول أن تستأسد كلمته، ولكن هيهات فمقومات القوة غائبة.
الأديب الصادق المحب لمجتمعه نراه اليوم معتزلاً في صومعته ولسان حاله (علي نفسي)
ويتقاعس عن دوره الجوهري بحجج واهنة ما أنزل الله بها من سلطان.
أما من أديب شجاع يصدح بالحق بلا قيود ولا يتوارى خلف أستار الخذلان، يكتب كلمة يعز بها نفسه ويكرمها ويعبر عن نبله وقيمه بلا رياء ولا تزلف ولا محاباة؟!
الجهر بالأدب القوي مكرمة فاظفر بذات الكلمة تربت يداك.
** **
- مها عبدالله النصار