صبحي شبانة
جاء الاستقبال الحافل الذي حظي به الرئيس عبد الفتاح السيسي يوم الثلاثاء الماضي في العاصمة الرياض، والحفاوة التي قوبل بها من لدن كبير وحكيم العرب خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان ليؤكد على خصوصية العلاقات السعودية المصرية التي اتسمت عبر التاريخ بالمتانة والصلابة والرسوخ، وهي بلا شك علاقات ممتدة تستمد قوتها وتجذرها من التشابك الاجتماعي والثقافي الذي بدأ بين الشعبين منذ فجر التاريخ، وقبل الإسلام بعصور سحيقة، نعم جاءت عقيدة الإسلام لتعمق من العلاقات بين الدولتين، وتوحد من هوية الشعبين اللذين يعيشان على جغرافيا ممتدة تسيح على ضفتي البحر الأحمر الذي يربط بين بلدين تشبعا بموروثات تاريخية وثقافية امتزجت عبر التاريخ لترسم صورة محفورة على جدار الزمن، عنوانها الإخاء الذي لا يعرف الشقاق، والتكامل الذي لا يحتمل الانفصام، رسائل حملها لنا التاريخ، يقيناً يعرفها الجميع، وربما لم يستوعبها البعض.
العلاقات السعودية المصرية تفيض وتزخر بدلالات كثيرة من الماضي، تحملها رسائل للحاضر والمستقبل، للقاصي والداني، يستلهم معانيها ودلالتها القيادات في الدولتين الشقيقتين فالعلاقات بينهما أخوية راسخة قوية متينة، هي أنموذج للتآخي والتعاضد والترابط، في ظل قائدين عظيمين خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وأخيه الرئيس عبد الفتاح السيسي «حفظهما الله»، تراث حافل من التشابك الاجتماعي، والامتزاج التاريخي، والتعاضد الأخوي، ومواقف من الود والتلاحم على مر التاريخ تحكي أساطيرها المراكب والبواخر والعبارات التي تمخر البحر عبر آلاف السنين، يفك رموزها وطلاسمها المنقوشة على رمال الشاطئ مقتفو الأثر لنسطرها نحن وتدونها كتب التاريخ.
الملك المؤسس الراحل عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود» طيب الله ثراه» هو صاحب المقولة الخالدة «لا غنى للعرب عن مصر... ولا غنى لمصر عن العرب»، وقد وصى «رحمه الله» أبناءه من بعده بألا يفرطوا في العلاقات مع مصر بقوله: المملكة ومصر يجب أن يكونا على الدوام سويا، ولم يتخلف أبناؤه الملوك من بعده يوماً عن دعم الشعب المصري، والمواقف الداعمة كثيرة لا يتسع المجال لإحصائها، كتب التاريخ بها عامرة، وصور الملك سلمان وإخوانه وهم يرتدون لباس الجندية للدفاع عن مصر إبان العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م، وإبان العدوان الإسرائيلي عام 1967م، محفورة في ذاكرة الشعب المصري لا يمكن لأحد أن يتناساها أو يتجاهلها، كما لا يمكن لمنصف أن يتناسى الدعم السعودي السياسي والاقتصادي والإعلامي والدبلوماسي الكامل والمطلق لثورة 30 يونيو، التي تبنت المملكة في حينه موقف الشعب المصري ودافعت عنه بصلابة وجسارة في مواجهة العالم الخارجي، فقد كانت المملكة أول المهنئين بفوز الرئيس عبد الفتاح السيسي في الانتخابات الرئاسية، وقدمت الدعم الكامل لمصر وشعبها في كافة المجالات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والتنموية، ورفضت رفضاً قاطعاً ابتزاز الجماعات الإرهابية وادعاءاتها، وأعلنت وقوفها التام مع مصر الدولة، ومع مصر الشعب، هذا كان وظل موقف المملكة الدائم الذي لم تحد عنه يوماً حتى عادت مصر كما كانت قوية فتية تقود مع المملكة أمتها العربية، وتضطلعان معاً بأعباء الأمن القومي العربي الذي تتربص به قوى إقليمية معادية متربصة أفصحت عن نواياها وأطماعها.
الحقيقة الذي يعرفها الجميع أن العلاقات السعودية المصرية تمر بأزهى عصورها في عهد الملك سلمان بن عبد العزيز والرئيس عبد الفتاح السيسي اللذين يجمعهما التوجه العروبي والقومي واللذين يدركان أهمية التفاعل الإيجابي مع الدوائر العربية والإسلامية والإقليمية، ويتحملان معاً وحدهما بجسارة عن باقي الدول العربية أعباء الدفاع عن الأمن القومي العربي ومجابهة التحديات التي تحيط بعالمنا العربي من المحيط إلى الخليج.
السعودية ومصر تربطهما علاقات تاريخية طويلة، وتتشابه توجهاتهما إزاء كثير من القضايا الدولية والعربية والإقليمية والإسلامية، وهو الأمر الذي يرسم خارطة طريق واحدة إزاء معظم القضايا آخرها الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا التي حتماً سوف يكون لها انعكاساتها على الأمن القومي العربي والإقليمي.