يأتي الثامن من شهر مارس كل عام احتفاءً بيوم المرأة العالمي ليراجع المجتمع الدولي أوضاع المرأة في منظومة دول الأمم المتحدة، وتجاوزاً لأسباب اختيار هذا اليوم ليكون يوماً للمرأة، إلا أنني أجده فرصة لنا لنشير فيه ونوضح للعالم بعض المنجزات المهمة التي تحققت للمرأة السعودية في السنوات القريبة الماضية وأين موقعها في خارطة الوطن، باعتبارنا جزءاً من هذا العالم نؤثر ونتأثر به.
فلو أعدنا الذاكرة إلى الوراء وتحديداً قبل أكثر من عشر سنوات وهي فترة زمنية صغيرة في عمر الأمم لذهلنا من كمية ونوع التطور في مكتسبات المرأة السعودية، لوجود قيادة حكيمة استوعبت الاحتياج وآمنت بحق المرأة في الوصول لكافة حقوقها أسوة بالرجل وانطلاقا من تعاليم الشريعة الإسلامية التي منحتها كامل حقوقها قبل أكثر من أربعة عشر قرناً.
وفي اعتقادي أن الموافقة على إصدار بطاقة هوية وطنية مستقلة للمرأة في عام 2001 والذي حصلت فيه أول سعودية على هذه البطاقة كانت تمثل للمرأة قيمة كبيرة، فقد أصبحت مواطنة لها حق امتلاك وثيقة هوية مستقلة بعد أن كانت لسنوات طويلة مضطرة إلى استخدام بطاقة ولي أمرها أو بطاقة العائلة لإتمام أمورها.. وللعلم كان هناك معارضات شديدة من بعض الأسر على هذه الخطوة وتأخر في السماح لهن بالتمتع بهذا الحق، إلا أن اشتراطات الحصول على بعض الخدمات إلا بوجود هذه البطاقة للمرأة ألزمتهم بالرضوخ للأمر الواقع.
وفي 12 ديسمبر صدر أمر ملكي ينص بأن تكون المرأة عضواً في مجلس الشورى يتمتع بالحقوق الكاملة للعضوية وأن تشغل نسبة «20» من مقاعد العضوية كحدٍ أدنى. ويضم المجلس الحالي في عضويته «30» امرأة من أصل»150» عضواً هم مجموع أعضاء مجلس الشورى السعودي، وتعتبر هذه المشاركة أول دخول للمرأة على الصعيد السياسي لمواقع صنع القرار.
وقد كان تاريخ 12 ديسمبر 2015 بداية دخول المرأة لترشح نفسها في ترشيحات المجالس البلدية والتي تعد نقلة نوعية ومجالا محصورا على الرجال لسنوات طويلة.. كما أن الأمر الملكي بتعيين ست سيدات كعضوات في مجلس هيئة حقوق الإنسان في عام 2016م كان تمكينا للمرأة في هذا المجال وثقة في قدرتها على تولي المهام الداخلية والدواية للمجلس.
ولا نغفل أن ما وصلت إليه المرأة في المناصب القيادية كنائب وزير وتعيين أربع سفيرات في بلدان مهمة يعتبر مؤشراً على تنامي الثقة في قدرات وكفاءة المرأة لتولي تلك المناصب.
ولو تحدثنا عن العنف الأسري ومعاناة المرأة منه لوجدنا أن هناك العديد من المحاولات لعلاجه بدءاً بإنشاء إدارة مختصة له في وزارة الموارد والتنمية الاجتماعية عام 2004م، لكنها واجهت تحديات عديدة في هذا المجال إلا أن صدور نظام الحماية من الإيذاء عام 2013م هو نقطة التحول في معالجة ما تعانيه المرأة من استغلال وعنف وإهمال وإيجاد مقار آمنة لحماية المرأة المعنفة وتطويره فيما بعد من خلال الخط الساخن للإبلاغ عن العنف 1919.
كما أن تداعيات القضايا الأسرية كالطلاق والنفقة والحضانة كانت جزءاً من الألم اليومي الذي أنهك المرأة وضيع كثيراً من حقوقها المادية والاجتماعية وأضر نفسياً بها وبأبنائها لتثبت كفاءتها للحضانة إلى أن تم إصدار قانون حق حضانة الأم لأطفالها ما لم يكن هناك نزاع، وكذلك قرار وزارة العدل عام 2020م يلزم بحسم قضايا الحضانة والنفقة والزيارة قبل انفصال الزوجين، بالصلح أو بالقضاء خلال مدة لا تتجاوز 30 يوماً من تاريخ الجلسة الأولى.. إضافة إلى ما سبق ذلك من إقرار صندوق النفقة الصادر بموجب قرار مجلس الوزراء عام 2018م لتوفير نفقة الأسرة في مرحلة التقاضي وعدم الاستقرار ومعالجة الكثير من قضايا الهجر والخلع التي علقت لسنوات طويلة في أروقة المحاكم.
وقد كان وجود مجلس متخصص بالقضايا الأسرية أحد المطالبات الكثيرة لسنوات عديدة ليكون مظلة تشريعية لكل ما يهم أعضاء الأسرة من امرأة، أو طفل، أو ذوي إعاقة ، أو كبار سن وقد تم إنشاؤه في عام 2017م بقرار مجلس الوزراء، وكانت لجنة المرأة أهم لجانه.
قانون التحرش الصادر في عام 2018م الذي جرَّم التحرش وحدَّد العقوبات لذا كان طوق حماية للمرأة على وجه الخصوص من هذه المشكلة؛ مما أتاح لها فرصة الاندماج خاصة في مجال العمل وحقق لها الحماية المناسبة.. أما القرار التاريخي الذي صدر في 26 سبتمبر 2017م بالسماح للمرأة بقيادة السيارة فقد كان نقطة تحول في ضمان حقوق المرأة في الحركة والتنقل وتيسير مشاركتها في التنمية الاقتصادية لوطنها، بعد أن كانت تعتمد على السائق أو العائلة لإنجاز متطلباتها واعتبارها شخصاً ذا أهلية كاملة.
حقيقة نشعر في العصر الزاهر أننا نعيش حلماً تحقق طالما راود مخيلة الكثيرات منا وتطورات متسارعة لتحقيق رؤية المملكة 2030، مما يضع على كاهل المرأة عبء الاستعداد والمجاراة لتسهم في التنمية الوطنية المستدامة، وتستلهم العبر مما مر بمن رصفن الطريق من مثيلاتها من الأجيال السابقة وتشارك أشقاءها الرجال بكل شغف للوصول للمستقبل الذي يطمح إليه الوطن.
وماذا بقي، ما زال أملنا في مجتمع ممكن وداعم واعٍ لمفهوم الحقوق المختلفة للمرأة والرجل وفق شريعتنا الغراء ورؤية وطننا الطموح.
** **
سمها بنت سعيد الغامدي - رئيسة مجلس إدارة جمعية كيان