د.شريف بن محمد الأتربي
بين كل فترة وفترة يطل علينا سمو سيدي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- من خلال لقاء تلفزيوني أو حديث أو مقابلة صحفية، وقد استمتعنا جميعًا خلال عطلة الأسبوع الفائت بقراءة مقابلة سموه مع مجلة أتلانتيك؛ هذا الحديث الذي أعتقد -من وجهة نظري- أنه يمثل نقطة فاصلة ومهمة في توضيح علاقة المملكة العربية السعودية مع الخارج وخاصة أمريكا، كما أنه نُشر في خضم نزاع خارجي في أوروبا أتى على الأخضر واليابس، في حين تواصل (رؤية المملكة 2030) انطلاقتها لتحقيق أهدافها وغايتها بكل قوة وسرعة متغلبة على كل الصعوبات التي واجهتها أو تلك التي قد تواجهها بفضل الله تعالى ومن ثم بفضل ولي العهد الملهم الشاب الأمير محمد بن سلمان.
لقد جمع سمو ولي العهد في شخصيته خلاصة حكمة وفطنة حكام المملكة على مَرّ عصورها، فهو يحارب من أجل الحفاظ على كيانها من أي تهديد خارجي، وهو يبني نهضة جديدة لعالم جديد، لمستقبل جديد لأبنائنا، يقف على قدر متساوٍ من الجميع في علاقته الخارجية ولا يسمح لأي كائن من كان أن يتدخل في شؤونا الداخلية، وعلى الطرف الآخر فهو أيضًا لا يتدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة.
وأعود إلى حديث سمو ولي العهد حيث غلب على الحديث أربعة محاور رئيسية تقريبًا هي:
- السياسة.
- الدين.
- المجتمع.
- الاقتصاد.
وفي كل منهم سُئل سمو ولي العهد أسئلة متعددة، ولم تكن هذه الأسئلة متتالية أو مرتبة، ولكنها كانت متفاوتة، حيث عمد المحاور على الخروج والعودة للموضوع نفسه في أسئلة عدة، سواء في بداية اللقاء أو منتصفه أو في آخر جزء منه، وإن كانت تتمحور كلها حول (رؤية المملكة 2030) وكيف أحدثت كل هذه التغيرات سواء رآها الآخرون أم لم يرونها، فهي قد حدثت.
لقد أظهر الحوار مدى فطنة وذكاء سمو ولي العهد -حفظه الله- وقدرته على رد الكرة إلى ملعب الخصم في كل سؤال سأله المحاور، خاصة حينما تتميز هذه الأسئلة بالدهاء وتحتاج إلى عميق تفكير للرد عليها، وهذا ما تميز به الأمير محمد في كل الأسئلة.
ولعلي أسرد هنا بعض الرسائل التي أطلقها سمو ولي العهد خلال إجابته عن أسئلة الحوار، منها:
- نحن لن نكون نسخة أو تكرارًا لأحد، فنحن نمثل أنفسنا، ونبني أنفسنا من خلال تاريخنا وعراقتنا وتراثنا.
- نحن دولة قامت على أسس قوية ممتدة لأكثر من 600 عام، تستمد ثقافتها من مصادر متعددة شكلت الشخصية السعودية. نحن مختلفون عن غيرنا واستطعنا استعادة شخصيتنا التي اختُطفت منا في غفلة من الزمن.
- مصطلح الإسلام المعتدل ليس هو المصطلح الأفضل، ولكن الإسلام الحقيقي هو المصطلح الأصح لوصف ديننا الإسلامي كما كان عليه رسولنا محمد -صلى الله عليه وسلم- وخلفاؤه الراشدون -رضي الله عنهم.
- علاقتنا في دول الخليج العربي علاقة أُخوة ودم، تجمعنا روابط عائلية، وخلافاتنا هي لصالح شعوبنا وسريعًا ما نتجاوزها ولا تترك أي أثر في نفوسنا.
- جماعة الإخوان المسلمين، هي جماعة أضرت بالإسلام أكثر من أعدائه، وتربى على معتقداتها أكثر الشخصيات إرهابًا ودموية في تاريخ العالم الإسلامي الحديث، والوهابية ليست معتنقًا دينيًا، ولكنها حُرِّفت لتضر الإسلام وليس لتنفعه.
- الحكم في المملكة العربية السعودية حكم ملكي وسيظل كذلك، وجميع الأمراء هم جزء من نسيج هذا الوطن ولا يوجد أي تفرقة بينهم وبين المواطنين، بل بالعكس هناك صلات رحم بين آل سعود وجميع القبائل والعائلات السعودية تقريبًا.
- من أجمل الرسائل التي أطلقها سمو ولي العهد والتي أظهرت قوة المملكة العربية السعودية وعدم مهابتها ولا خوفها من أحد وأنها تتعامل مع الجميع على قدر واحد حين سُئل عن رغبته في إيصال معلومة عنه إلى الرئيس الأمريكي قد لا يعرفها، فكان الرد: إن هذا لا يهمني.
لعل أقرب ما يدل على تحقيق (رؤية المملكة 2030) لأهدافها المخطط لها ما ذكره المحاور نفسه في بداية حديثه؛ حينما سرد رحلاته المتعددة إلى المملكة العربية السعودية وكيف أنه في كل رحلة كان يلتمس فارقًا أو حدثًا جديدًا، وتغيرًا في المجتمع يترافق مع أهداف الرؤية، سواء في المجتمع أو في آلية الحصول على تأشيرة زيارة المملكة، أو الاستقبال في المطار وغيرها من أمور ربما يجدها البعض عادية، ولكنها فعلاً من مفرزات رؤية 2030 وقائدها المستنير -حفظه الله- لا يستشعرها إلا من عاش قبل حدوثها.
إن الحديث مليء بالمعلومات والعِبَر والرسائل التي تحتاج إلى استقراء حتى تظهر جميعها وتحقق أهدافها، وكلما أعدت قراءته أجد رغبة في إعادة كتابة مقالتي هذه، فكلمات سمو سيدي ولي العهد مهندسة بطريقة معمارية محترفة ليعلو بها بناء المملكة في آفاق التقدم والرقي التي تستحقها المملكة وستحققها -بإذن الله- تحت ظل قيادة مولاي خادم الحرمين الشريفين وسمو سيدي ولي العهد -حفظهما الله.