د. محمد بن صقر
يبقى الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي أحد ساحات الحرب الكلامية وساحات المعارك شديدة الضراوة بين روسيا من جهة وأوكرانيا والغرب من جهة أخرى، فالغرب ووسائله الإعلامية يحاول تصوير أن الإعلام والمكينة الإعلامية الأوكرانية أكثر مصداقية وتنوعًا وتأثيرًا في وسائل التواصل الاجتماعي، فقد أصبح الأوكرانيون يوثقون الوقائع اليومية للحرب ويحشدون الجماهير العالمية ضد روسيا (بوتين)، ففي صحيفة الوشنطن بوست علقت على استخدام الأوكرانيين وسائل التواصل الاجتماعي، حيث ذكرت أن استخدام الأوكرانيين وأنصارهم وسائل التواصل الاجتماعي الهدف منه إهانة الروس والتقليل من شأنهم وإذلالهم، سعياً منهم إلى تعزيز معنويات المواطنين واستنزاف معنويات الروس خلال أكثر الحروب التي يمكن الوصول إليها عبر الإنترنت في التاريخ. فقد أدى تدفق مقاطع الفيديو في الوقت الفعلي عبر Facebook وTelegram وTikTok وTwitter إلى إضعاف دعاية الكرملين وحشد العالم إلى جانب أوكرانيا أمام قوة عسكرية عملاقة» هذه الرسالة الإعلامية والمنصة لتعزيز تفوق الحراك الإعلامي الأوكراني يظل تحت مسمى حرب إعلامية تخوضه الولايات المتحدة لدعم وتعزيز معنويات الأوكرانيين ومحاولة منها لتضخيم الأثر الإعلامي الأوكراني في العالم، فالجانب الأوكراني يعمل على بناء القصص الإخبارية اليومية ابتداء من آثار الحرب وقصص النازحين المروعة والأطفال وعدم تكافؤ القوتين وصناعة الأبطال في زمن الحرب، كذلك نشر وتخطيط طرق الهروب والمآسي التي تصاحب تلك الحرب، وتوثيق وحشية الحرب حيث تلعب لقطات الهاتف المسجلة أدلة أكثر استثارة لعواطف الجماهير حول العالم، فطرق التغطية تتنوع أساليبها من سخرية ودرامية وتراجيدية وغيرها الكثير، فهي بذلك تصل إلى عقلية الجماهير وتثير عواطفهم وتحشد العالم للنظر إلى أوكرانيا على أنها ضحية الحرب, فالجماهير أصبحت تدرك وتعي أن الكاميرات الرسمية لا تمثل إلا لسان حال الدولة وبالتالي هناك تعددية في وسائل الإعلام وفي يدي الجماهير وبسيناريوهات مختلفة فتكون أكثر مصداقية وقد تكون تحسب لصالح أوكرانيا، وبعكس الجانب الروسي على الرغم من اشتهار روسيا بكونها من أكثر الدول سيطرة على الإنترنت، واستخدمت آلة الدعاية في البلاد لسنوات وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام المدعوم من الدولة لخداع أعدائها وإضعاف قوته، فقد ركزت الحرب الإعلامية الروسية ومن خلال وسائلها الرسمية على أن أكرانيا قامت بارتكاب جرائم حرب في منطقة دونباس، وأن التهديد الذي يتهدد المدنيين في أوكرانيا لا يأتي من القوات الروسية، بل من «القوميين الأوكرانيين»، كما يقول مقدم برنامج «روسيا 1». كذلك ركزت الحرب الإعلامية وفي الوسائل الرسمية أن الأوكرانيين يستخدمون المدنيين كدروع بشرية، ويضعون عن عمد أنظمة قصف في مناطق سكنية ويصعدون قصف المدن في «دونباس». كذلك أعلن مذيع القناة الأولى أن القوات الأوكرانية «تستعد لقصف المنازل السكنية» وتفجير المستودعات بالأمونيا، في «أعمال استفزازية ضد المدنيين والقوات الروسية». كذلك حاولت وسائل الإعلام الروسية إلى عدم الإشارة إلى الأحداث في أوكرانيا بالحرب، وبدلاً من ذلك يوصف الهجوم بأنه عملية نزع سلاح تستهدف البنية التحتية العسكرية أو «عملية (عسكرية) خاصة للدفاع عن جمهوريات الشعب، إضافة إلى ذلك بثت القنوات الرسمية تصوير أوجه التشابه التاريخي بين العملية العسكرية الخاصة الروسية في أوكرانيا وحرب الاتحاد السوفيتي ضد ألمانيا النازية.
وفي محاولة لتحليل هذا الطرح بين تعدد الوسائل الإعلامية واختلاف السيناريوهات من الجانب الأوكراني واختلاف رسالته الإعلامية ما بين التعاطف مع الضحية والصمود والمقاومة من أجل الحرية وعدالة قضيته، والرسالة الروسية التي تبين القدرة على الدفاع عن النفس وأنها قوى عظماء لا يستهان بها وأيضًا أنها ترفض التهديد من عالم يحتاج إلى نوع من التعمق لقوة الرسالة على المدى البعيد وتأثيرها, وأيضًا معرفة السلوك الذي ينتج عنه سواء على الصعيد الدولي الذي تحكمه المصالح أو على المستوى الجماهير الذي تحكمه العواطف، فاستخدام المصطلحات والمفاهيم في الحرب الإعلامية في ظل التصعيد الدراماتيكي يرجعنا إلى أطروحات صاحب كتاب «المتلاعبون بالعقول، هربرت شيلر»، حيث يشير في كتابة إلى تركيز صانعي الدعاية إشاعة المصطلحات المضللة القادرة على اختراق أسوار التمايز الثقافي والحضاري برفق ماكر، ويضرب مثالاً بـ»الحفاظ على العالم الحر»، كلمة تصنع البهجة عند سامعها، ولكنها جريمة قد تؤدي إلى قتله جوعًا أو تبعيةً. وفي اعتقادي أن المسألة باتت تحتم علينا دراسة سلوك الجماهير مع وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي زمن الحرب من خلال مراكز الدراسات والتفكير الإستراتيجي لمعرفة أكثر النماذج تأثيرًا وقوة.