قبل الخوض في التقديم الذي وضعته للنتاج القصصي الأول للقاصة السعودية أشواق عمر عبدالحميد مليباري، تحت عنوان «مُزْنَةْ»، أشير إلى كلمة سريعة وثقتها في حفل التوقيع، قلت فيها:
«مُزْنَةْ؛ صرخة مدوية في آفاق السرد القصصي، هذه حقيقة أوثقها بمداد السعادة، فمزنة ليست مجرد إصدار عادي، بل هي إصدار أدبي راق يحتفظ بين غلافيه بثروة حقيقية من الحبك القصصي اللافت.
لا أقول إنني قرأت «مزنة» فقط، بل تجولت بعمق في مختلف أركانها، وحلّقت عالياً في فضاء معانيها، وتحسست عن قرب أحداثها وتداعياتها، واستنشقت ملء نفسي ما اشتملت عليه من تنوع مذهل أخذ المشاعر معه لمعايشة لهفة الفكر، وفزة القلب، ورجفة الجسد، ودمعة العين.
«مُزْنَةْ»؛ بوصفها الإصدار الأول للقاصة الملتزمة أشواق، ولكونها انطلقت على هذا النحو السامق من الفصاحة، والبلاغة، والشمول، والبيان، أراها تمثّل مسؤولية كبيرة على الحس الإبداعي لكل من يمتلك ناصية الفكر والقلم، لكنني على يقين أن «أشواق» لديها ما يجعل قراءها في حالة ترقب دائم لإصدارات تشبع نهم القراءة لديهم.
أما وقفتي التقديمية لـ «مُزْنَةْ»؛ فالواقع أنني لم أتطرق فيها إلى معالم القصة كي لا أفسد على القارئ معايشة أحداثها لحظة بلحظة، ولكنني فقط اكتفيت بهمسة ترحيبية بالقارئ الكريم، فقلت:
لا أود الخوض في أركان (مُزْنَةْ) وملامحها، إنما أقف وقفة سريعة على أعتابها، أوثق من خلالها ترحيبي بك قارئي النبيل، وتهنئتي لك، وأنت تشاركني الأُنس في ظلال قصة مشرعة الأبواب للمجتمع بكافة شرائحه؛ للمرأة والرجل، كما للكبير والصغير؛ إذ ليس فيها ما يخدش الذوق أو الحياء، بل يجللها رداء العفة والنقاء.
نعم قارئي؛ أُرحب بك وأُهنئك؛ وأنت تحتضن (مُزْنَةْ) بكفيك، وتتجول في أرجائها بعينيك، وتتحسس أحداثها بكل ما اشتملت عليه من تقلبات، وما نتج عن ذلك من معالم الخوف والحيرة والرجاء.وأُهنئك وأنت تلامس أدق تفاصيل (مُزْنَةْ)، فتنتعش هناء بما فاضت به من حميد الخصال؛ الحب في أنبل محطاته، والاحترام في أسمى معانيه، والجود في أبهى صوره، والوفاء في أعلى مراتبه.وأُهنئك وعيناك في (مُزْنَةْ) تلتقي بمفردات تحكي أصالة تراث نفيس نقله إلينا الآباء والأجداد لننقله بدورنا إلى لأبناء والأحفاد، لكننا نسيناه أو نكاد.
وأُهنئك وأنت في رحاب قصة تتسم بعمق البيان وشموله، وفصاحة السرد وسلامته، وبعمق التصوير البلاغي ودقته لما رسمته الحروف أمام عينيك من صور واضحة المعالم لأفكار شخصيات (مُزْنَةْ) وأصواتهم وطباعهم وحتى أشكال عيونهم، ولبيئة (مُزْنَةْ) من بيوتات الحجر والخِيام، وارتفاع الجبال ووعورة الطرقات إلى الوديان، وحال السماء حين غياب السحب وتوقف الأمطار، وحال الأرض حين اصفرار المراعي وما ينتج عنه من نحر للإبل وذبح للأغنام.
أهنئك يا صديقي ولا ألوم فيك مقلة غلبتها دمعتها، ولا جسدا أربكته رعشته، ولا نبضة أوجعتها رجفتها، وفي الوقت ذاته لا ألوم صاحبة (مُزْنَةْ)؛ «القاصة الملتزمة أشواق مليباري»، إذ تسببت لنا بكل ذلك، لا ألومها؛ فتلك هي سمات أدبياتهَا؛ بخيالها الخصب، وقلمها الصادق، وحبكتها المتزنة، وخزانتها العامرة بجماليات اللغة وأدواتها، وإني إذ أُهنئ بها وبمزنتها رواد جناح الأدب في مكتباتنا العربيةِ حيثما كانت، لأُنادي ليس فقط بترجمة (مُزْنَةْ) إلى اللغات الأخرى لإبراز ما تحظى به ساحة الأدب العربي من كفاءات يشار إليها بعين الفخار، بل أُنادي أيضا بتحويل (مُزْنَةْ) إلى عمل تلفزيوني درامي يعرض عبر مختلف شاشاتنا العربية.
ويبقى السؤال: هل يلتفت ذوو الحس المسؤول في مجالي الترجمة والإعلام إلى هذا النداء؟
ولا يسعني هنا إلا أن أجدد التهنئة مجللة بعابق مودتي لـ «أشواق» بـ «مُزْنَةْ»، ولـ «مُزْنَةْ» بـ «أشواق»، ولصاحب كل عين تحسن القراءة بقصة تستحق القراءة.