منصور ماجد الذيابي
منذ أن بدأت الحرب بين روسيا وأوكرانيا قبل أيام قليلة, لا زالت وتيرة العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا تتصاعد يوما بعد يوم وتقترب من العاصمة الأوكرانية كييف وسط مناشدات المجتمع الدولي لروسيا بوقف الحرب التي أدّت حتى كتابة هذا المقال إلى نزوح أكثر من 660 ألف مواطن أوكراني على وقع القصف الروسي للمواقع المدنية اضافة إلى قطع امدادات الطاقة عن المدن الكبيرة في أوكرانيا ما أدّى إلى شلل الحركة الاقتصادية في البلاد وفرار المدنيين إلى الدول المجاورة بحثا عن الأمن والسلام والاستقرار.
لم يكن التّدخل العسكري للاتحاد الروسي غريبا أو جديدا, فقد تدخّلت روسيا من قبل في سوريا ثم بعد ذلك في ليبيا كما ذكرت سابقا في مقال بعنوان «وصلت إلى ليبيا بعد خراب سوريا», إذ ما زالت روسيا تنتهج سياسة التّوغل العسكري وتستعرض قوتها النووية أمام الدول الأضعف في ميزان القوى العسكرية، كما يحدث اليوم في أوكرانيا التي فاجأت الرّوس بمقاومة شرسة وصمود عسكري عنيد أدّى إلى ابطاء و إرباك تقدّم القوات الرّوسية باتجاه العاصمة كييف، حيث يتمترس الجنود الأوكرانيون دفاعا عن مدينتهم الجريحة، وعن إقليم دونباس الذي تسيطر عليه جماعات الانفصاليين الموالين لروسيا.
الغريب في هذه الحرب هو أن كل دول أوروبا اتفقت بالإجماع على مساندة أوكرانيا بتقديم الدعم اللوجستي وتوفير الخدمات الإنسانية العاجلة للنازحين الأوكرانيين, وهو ما لم نعتَد على مشاهدته خلال الحروب التي تعرّضت لها مناطق واسعة في الشرق الأوسط بدءًا من أزمة اللاجئين السوريين وأولئك النازحين الفارّين من مناطق الصراع في أفريقيا باتجاه أوروبا وأمريكا اللاتينية، كما أوضحت سابقاً في مقال بعنوان « ظاهرة النزوح وموقف المجتمع الدّولي», حيث كانت بعض الدول الأوروبية عارضت -آنذاك- استقبال اللاجئين السوريين أو السماح لهم بعبور الحدود الأوروبية رغم حاجتهم الشديدة للمساعدات الإنسانية بعد رحلة طويلة تكبّدوا خلالها مشقّة الرحيل بحثاً عن مناطق آمنة.
وما أن وصلت وفود اللاجئين الأوكرانيين حتى سارعت دول أوروبا باستقبالهم عند نقاط العبور الحدودية, بل إن رؤساء حكومات دول أوروبية تعهّدوا باستقبال الفارّين من الحرب هناك وإيوائهم في أفخم الفنادق الأوروبية، إضافة لما نسبته مصادر إعلامية عن رئيس وزراء بولندا بأن على دول الاتحاد الأوروبي توفير مليار يورو لإعادة إعمار أوكرانيا بعد انتهاء الحرب.
والغريب في الأمر أننا لم نشاهد خلال فترة القصف الإسرائيلي العشوائي على قطاع غزّة عام 2014 بسبب تصرفات منظمة حماس الحمقاء أي ردود أفعال أو تصريحات أوروبية وأمريكية مماثلة حول قتل المدنيين في فلسطين وتشريد الآلاف من قراهم داخل الخط الأخضر رغم مناشدات المنظّمات الإنسانية الدولية -آنذاك- بوقف إطلاق النّار على سكّان القطاع المحاصر، ناهيك عن غياب إرسال المعونات لهم في تلك الظروف القاسية أو تقديم تبرّعات مالية لإعمار القطاع الذي دمّرته آلة الحرب الإسرائيلية أو على الأقل لإعادة بناء منازل الفلسطينيين الذين دمّرت جرّافات الجيش الإسرائيلي منازلهم في حي الشّيخ جرّاح.
لم نكن نسمع حقيقة عن مثل هذه المواقف الإنسانية الغربية تجاه مآسي الحروب الأهلية والصراعات المسلّحة التي كانت روسيا طرفاً فيها سواء ما حدث في أفغانستان سابقاً أو في سوريا وليبيا والصومال ودول أفريقية أخرى.
ولذلك نتساءل عمّا هو الفرق بين اللاجئين العرب والأفارقة وبين نظرائهم من النازحين الأوكرانيين المدلّلين الذين سمحت لهم السلطات في دول الجوار الأوروبية باصطحاب وإيواء حتى الكلاب المدلّلة وتوفير الخدمات الإنسانية والحيوانية، مثلما رأينا على شاشات التلفزة، أثناء عبور اللاجئين الأوكرانيين حدود دول أوروبا الشرقية عندما التقطت كاميرات مراسلي وكالات الأنباء صوراً لفتيات أوكرانيات جميلات، وهنّ يصطحبن معهنّ كلاب صغيرة, و لم يكن يبدو عليهن -خلال النزول من الحافلات الفاخرة أو الانتظار عند نقاط التفتيش- مشقّة النّزوح وتكبّد معاناة السفر في مشهد يوحي بكرم الوفادة الأوروبية وحسن الاستقبال والضيافة والرّعاية.
أتساءل من هذا المنبر عن سبب العمل بهذه المعايير المزدوجة في التعامل مع حالات اللاجئين؟! كما أتساءل عن سبب معاملة لاجئي الشرق الأوسط وأفريقيا على أنهم مهاجرون غير شرعيين في حين يتم استقبال لاجئي شرق أوروبا بالورود والزهور والأحضان؟!
وعموماً فإن الحرب في أوكرانيا لا تزعزع أو تهدّد استقرار الدول المجاورة لأوكرانيا فحسب, وانّما تنذر بعواقب اقتصادية عالمية وخيمة, وتهدّد كذلك الاستقرار والسّلم الدوليين كما أوضحت مؤخرا في مقال بعنوان « نُذر الحرب بين القطبين المتنافسين».