د. جاسر الحربش
الأرجح هو أن أبسط سكان العالم الثالث يفهمون في السياسية وألاعيب القوى العظمى أكثر مما يفهمه سكان العالم المسمى بالأول، ولكن ما بأيديهم غير الاستماع والحوقلة وانتظار فرج الله.
سكان العالم الثالث لا يجهلون ألاعيب وجرائم الروس في سوريا لصالح النظام الطائفي، ومع إيران وإسرائيل في نفس الزمان والمكان أو مع تركيا واليونان وقبرص في نفس الجغرافيا، لكن هذا الإنسان العالمثالثي يفكك ويحلل كل صراع بناءً على معطياته الجغرافية والتاريخية ومسوغاته الجيوسياسية.
أحاول الحصول على فضائية عربية تنقل أخبار الصراع الروسي/ الأطلسي على أوكرانيا فلا أجد.
الفضائيات الروسية والأمريكية والبريطانية والفرنسية الناطقات بالعربية تنقل الأخبار والتعليقات في سياق مصالح بلدانها وتحالفاتها، لكن الفضائيات العربية العربية تعمل لصالح من؟
كلها مسوخ هجينة للإعلام الأمريكي خصوصاً والأوروبي تبعية وطواقم تحمل جنسيات غربية.
مثلما حدث في نشرات الأخبار المضروبة عن أسلحة التدمير الشامل في العراق كحجة إجرامية لتدميره، ومثلما عمم أمريكياً عن ضلوع حكومات خليجية في أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وعن أحداث ليبيا ومزاعم تدخل الناتو لإيقاف المجازر ضد الشعب الليبي، مثل ذلك يحدث الآن بنفس الفجور الإعلامي المدوزن على الإعلام الأمريكي الأوروبي لغسل وتنشيف العقول.
ما أن ينوي رئيس أمريكي أو رئيس وزراء أوروبي أو وزير خارجية إلقاء خطاب، إلا وقد سبقته الفضائيات العربية إلى الإعلان عنه ثم إلى نقله بالصوت والصورة.
حين تنتقل إلى الفضائيات الغربية الناطقة بالإنجليزي أو بالعربية لا تجد نقلاً ولا شرحاً لخطاب السيد الرئيس أو رئيس الوزراء، وكل ما تجده مجرد تعليق وتحليلات على أهم النقاط في الخطاب الموجه أساساً لمواطنيه ولناخبيه.
سحنات ووجوه وزراء خارجية البيت الأبيض ودول الاتحاد الأوروبي والمتحدثين والمتحدثات عنهم، تحولت في الفضائيات العربية العربية إلى وجبات صباحية مسائية لدرجة التخمة.
عندما يحصل المشاهد بالصدفة على مقابلة مطولة مع وزير خارجية عربي أو شرقي، تتهلل أساريره، وكأنه تناول قنينة مياه غازية لهضم ما تراكم في معدته من الوجبات الإعلامية الغربية.
لا أبالغ لو شبهت خطب وشروحات وتعليقات الساسة الغربيين وملحقاتهم الإخبارية والإعلامية بوجبات مطاعمهم السريعة التي يسمونها هم بأنفسهم ولأنفسهم جنك فود.
حالياً يدور صراع بين روسيا والغرب الأطلسي على أوكرانيا، ولكن المتابع المحايد يعرف الأسباب والسوابق التاريخية والعبث التحريضي الذي مارسه الغرب في السياسات والرشاوى والمظاهرات الأوكرانية منذ عشر سنوات على الأقل.
لا أحد يلوم أو يستكثر على المحطات الأمريكية والبريطانية والفرنسية الناطقة بكل لغات العالم عندما تصرخ في آذان سذج العالم: ها هو الدب الروسي قد هجم على الغنم الأوكراني، وغداً سوف يهجم عليكم أيها العرب ونحن لا ننصحكم فقط يا سكان العالم الثالث التعيس، بل نأمركم ونسوقكم معنا بمقاطعته وتجويعه دفاعاً عن الديموقراطيات والديموخراطيات وحريات اتخاذ القرار، وإلا فلن تلومون غير أنفسكم لأن من ليس معنا هو بالضرورة ضد مصالحنا في هندسة العالم على المصالح الغربية.
التزام الحياد في كل القضايا ما عدا القضايا الوطنية العربية، هذا هو ما ينشده المشاهد العربي كحق وطني له على فضائياته الإعلامية العربية العربية، فواقع حالها حتى الآن أنها مجرد مسوخ وأبواق غربية أشد صخباً من الفضائيات الغربية الأصلية.