أحمد القرني - «الجزيرة»:
انطلقت في جدة مؤخرًا، فعاليات النسخة التاسعة لمعرض «21,39 فن جدة» تحت عنوان «أماكن» بمشاركة 27 فناناً عالمياً ومحلياً والذي طال انتظاره بعد غياب طويل بسبب جائحة كورونا.
يُقدم المعرض ساك، وهم مجموعة من عشّاق الفن والفنانين المحليّين برؤية وقيادة صاحبة السمو الملكي الأميرة جواهر بنت ماجد بن عبدالعزيز، الذين يرغبون في المساهمة في المجتمع المحلي من خلال الترويج للفن والثقافة وبتنسيق فني من مؤرخة الفن والقيّمة الفنية فينيشيا بورتر وهو متاح للجمهور في مقر ساك - جدة خلال الفترة من 3 مارس إلى 3 يونيو 2022م، ومن ثم ستستضيفه إثراء - الظّهران خلال الفترة من 30 يونيو إلى 30 سبتمبر 2022م.
اسم المعرض مُستلهَم من أغنية الفنان محمد عبده بعنوان «الأماكن كلها مشتاقة لك» حيث تطلب فينيشيا من الفنانين المشاركين أن «ينقلونا إلى مكانهم: أي المكان الذي يحبّونه... سواءً كان حقيقياً أم خيالياً.» وحول اختيار اسم المعرض، أوضحت فينيشيا قائلةً: «في اللحظة التي سمعت فيها تلك الأغنية، اتّضحت لي الفكرة».
وجرى تطوير الأعمال أثناء جائحة كوفيد العالمية عندما أصبح المنزل والأحلام والخيال بمثابة حبال النجاة التي تأخذنا بعيداً عن العزلة، إذ تُعد الأعمال الفنية لـ27 فناناً ذات وقع خاص بغض النظر عما إذا كانت أعمال فنية خاصّة أو مستعارة. وتوضّح الأعمال الفنية من خلال لغة قوية، علاقة كل فنان بمكانه الخاص والتعبير عن ذلك بأساليب مختلفة تضمنت النيون، والرسم، وكتب الفنانين، والنحت، والتصوير الفوتوغرافي، والشّعر والأفلام.
وأنطلقت فعاليات المعرض في جدة «عروس البحر الأحمر» بعرض العمل الفني «لافتة نيون» للفنان عبدالله العثمان وصفية بن زقر رائدة الأعمال الفنية السعودية وأعمال المرحوم عبدالحليم رضوي. وتُعد صفية بن زقر، التي تبلغ من العمر 82 عاماً، وهي من سكان جدة، الفنانة الوحيدة في البلاد التي افتتحت متحفها الخاص بينما يشتهر المرحوم عبد الحليم رضوي بمنحوتاتِه الضخمة في كورنيش جدة.
وتضمنت الأعمال الفنية المتّصلة بجدة عرض فيلم خيالي صوّره في جدة محمد حمّاد ويضم صوراً تستحضر منطقة البلد من تصوير إيمي كات وريم الفيصل. وتُبرِز الأعمال الفنية لبشائر هوساوي طابع الاختلاف والتنوع للمدينة عبر منسوجات فنية متنوعة من جميع أنحاء العالم والتي يمكن مشاهدتها في منطقة البلد.
ومن جدة، يُحلّق بنا بدر عوّاد البلوي إلى شمال الخُبَر لتوثيق الطبيعة المتغيرة للمدينة في حين يدعونا طالب المرّي إلى مكانه الخاص المتمثّل في لوحة بحيرة الأصفر الحالمة. والفنان علي شرّي يعرفنا على سلطان زيب خان الذي تولى حراسة مقبرة قديمة في صحراء الشّارقة بينما تروي لنا صور الفنان تيسير باتنجي المولود في غزة حكاية خاصة عن فكرة الوطن.
وتبرز لنا لوحة الفنان ضياء العزاوي منطقة شبه الجزيرة العربية قديماً من خلال المعلقات أو القصائد الشهيرة التي اشتهرَت بسبب تعليقها على جدران الكعبة في مكة المكرمة والتي مثّلت مصدر إلهام لمبادرة 21,39 فن جدة الأُولى. وتكشف لنا كاتالينا سوينبيرن كتب مناهج الآثار وتعيد دمجها بينما تستوحي رسومات الفنانة شادية عالم حول اسطورة «جنيّات لار» إلهامها من قصة كتبتها اختها الروائية رجاء عالم.
أثناء اختيار واعتماد الأعمال الفنية للمعرض، وجدت فينيشيا نفسها تميل بشدّة إلى الفنانين الذين يعملون بالورقة.
وحول ذلك، تقول: «أنا مفتونة بعملية الرسم والطباعة، وجمال الورق اليدوي، وظاهرة كتاب الفنان، وكيف يتعامل الفنانون مع الشّعر للتعبير عن فكرة المكان».
ويستخدم عمران قريشي التقنيات التقليدية للرسامين المغول لسرد قصص معاصرة في أعمالهم التجريدية في حين ترسم سارة عبدُه باستخدام الحنّا ويستكشف بدر علي عملية الطباعة. ويستوحي عبادة الجفري أعماله من مذكّرات طفولته بينما تستحضر أسماء طريقة وضع النصوص في منزل عمتها في منطقة البلد، وتحوّل منال الضويان نصوص القرون الوسطى عن الشّفاء إلى مخطوطات خزفية.
كما يؤدي الشّعر دوراً مركزياً في الكتب الفنية لحسين المحسن الذي يستمد إلهامه من قصائد غسان الخنيزي، في حين أن الأشكال النحتية لكتب ضياء العزاوي، وغسان غيب ونزار يحيى الزاخرة بالشعر تذكرنا بالدمار الذي لحق ببغداد، المدينة التي تطارد أيضا صادق الفراجي التي يذكّرنا بها في قصة شجرة واحدة في شارع بغداد أو في فيلم الرسوم المتحركة «قارب علي».
تؤلف لجين فقيرة الكتب التي تمثل «أماكن السّكون، المكان الهادئ» ويؤلف مهنّد شونو كتاب عن الرمل لأن «الرمل يختار القصص التي يجب أن يَرويها والأسرار التي يجب إخفاؤها».
وآخر عمل فني يقدّمه المعرض هو للفنانة عائشة خالد التي تأخذنا إلى مكانها المفضّل، مكة المكرمة، والمنسوجات الغنية بالتطريز التي تذكرنا بكسوة الكعبة.