الهادي التليلي
عندما قيل إن الحرب الباردة هي مجرد كذبة، وأن كل ما يحدث في شأن التنافس بين الشرق والغرب هو مجرد تسابق استثماري وتقاسم للأدوار، وتنازع على غنائم تدفع فواتيرها الشعوب الضعيفة لم ينظر إلى هذا الكلام على أنه سليل نظر وتمحيص وها هو الوضع الحالي للمشهد يؤكد ألا حرب باردة بل مصالح شعارها هو نفسه شعار الإمبريالية ساعة قيام فكرها ألا وهو «الخلاص فردي» فالحرب على أوكرانيا ليست حربا غايتها فقط أوكرانيا بل هي ضريبة تدفعها أوكرانيا لتقاربها مع الغرب وهو أمر يتقاطع مع المصالح الروسية وإن كان هذا ذا مشروعية في طرحه، ولكن لأن الروس المنحدرين من اتحاد سوفياتي واحد فرقت بين أطرافه البروسترويكا، والتي كان غربتشوف دميتها الأمريكوروسية يطمحون إلى استعادة هذا الاتحاد المهيب بعد أن استعادت روسيا ما يسمح لها من القوة لتحقيق ذلك.
وكذلك بعد أن تغلغلت الاستخبارات الروسية في الشأن الأمريكي ما قبل فترة ترامب وأثنائها خاصة لتتكشف لها حقيقة غير الحقيقة التي صورتها هوليوود ووسائل الإعلام والفضائيات الموجهة، وزاد على هذا اليقين الميدان الخارجي في المواجهات والانسحابات من كل من العراق وأفغانستان وسوريا وغيرها.
وفي الحقيقة سوء تقدير الأمريكان للدب الروسي خاصة من طرف الديمقراطيين والذين وعلى رأسهم بايدن الذي توهم منذ توليه السلطة أنه قادر على إزاحة بوتن واجتهد في التصريح بذلك في خطاب مباشر بكونه مستهدف من الإدارة الديمقراطية وأنه قاتل وبدأ فعلاً بافتعال بعض القلاقل لبوتن لعل أهمها قضية أحد المعارضين المعتقلين في السجون الروسية لتحريك ما لهم في الداخل الروسي بل لم يقف الأمر عند هذا الحد، حيث على صعيد السياسة الخارجية حرصت أمريكا على بناء تحالف مشترك مع الصين قصد عزل روسيا والانفراد بها وهو ما لم يحدث لأنه فات الديمقراطيين أن سلفهم ترامب كان قد اتهم الصين بكونها من ابتدع كورونا وطالبا بمحاكمتها، وبالتالي عوضا أن تتحالف الصين معهم على الروس راحت تبني تحالفا قويا مع الروس وغيرهم مثل إيران ومن لف لفها من خصوم الولايات المتحدة وبالتالي عوض أن يعزل بوتن عزلت الولايات المتحدة ولم يبق لها غير القارة العجوز التي، وإن حافظت على اسمها المهيب إلا أنها تشهد ضعفا داخليا ما بعده ضعف ولعل عجزها على مقارعة الموجة الأولى من كورونا أكبر دليل على ذلك.
والمشكلة الأوكرانية في محطتيها الأولى والتي تم تأجيل نيران حربها بعد اللقاء بين بادن وبوتن وكان العالم آنذاك قاب قوسين وأدنى من الحرب ولكن تأجل الأمر إلى شهر فبراير، حيث لم يسع أي طرف نحو حل للمشكل رغم التأجيل وتمادى في ذهن الأوكرانيين أو شبه لهم أن الولايات المتحدة لن تتركهم لوحدهم في مواجهة العملاق الروسي وبالنسبة لأوروبا فهي اسم فضفاض لقارة عجوز لم تبق لها سوى صورتها عند مستعمراتها القديمة والجديدة وهي التي يسعى الروس والصينيون لوراثتها عنها.
وحتى الأمم المتحدة فهي في حقيقة اللعبة الفيتو فيها بين الأمريكان والروس والأوروبيين والصينيين أضيفوا لملء خانة التحالفات في حال خلاف بين أمريكا وروسيا ومن ثمة إعادة هذه المنظمة إلى رشدها مسألة أكثر من ضرورية لأنه بالواقع والتاريخ أصبحت بلا جدوى وهو ما يتأكد للعام والخاص الآن.
أوكرانيا شأنها شان عديد الدول التي لم تجد من ينصرها ميدانيا بعد توريطها في معارك وحروب لا ناقة لها فيها ولا جمل فمثلما كان العراق ضحية الأسلحة المحضورة الموهومة كانت أوكرانيا ضحية انخراطها في النيتو الذي لم يتم بعد ولم يحرك هذا النيتو ساكنا لنصرتها وذلك أساس الميلودراما، فالغرب والشرق يتقاسمان، ويتنازعان على جثث بلدان أقل قوة والقارة العجوز تزبد وتتوعد ولكن بعقوبات اقتصادية.