عبدالرحمن الحبيب
يبدو أن «الهجمات الإلكترونية عبر الإنترنت» التي تستهدف أنظمة الكمبيوتر الأوكرانية لم تلعب أي دور تقريبًا في الهجوم الروسي الذي ظل حتى كتابة هذه السطور عسكرياً تقليدياً، أما الهجوم السيبراني فهو «الكلب الذي لم ينبح بعد» على حد تعبير مجلة الإيكونيميست، رغم أن الهجوم الروسي استخدم أسلحة عالية التقنية، من الصواريخ إلى العلاقات العامة بوسائل التواصل الاجتماعي، ورغم أن أنظمة الكمبيوتر مليئة بالثغرات ونقاط الضعف التي يمكن استغلالها، ففي السابق تمكن من يزعم أنهم متسللون روس من قطع التيار الكهربائي لنحو 230 ألف عميل في غرب أوكرانيا عام 2015، وكرروها في العام التالي، وأدى هجوم من نوع آخر إلى تعطيل المطارات والسكك الحديدية والبنوك الأوكرانية عام 2017..
عدم استخدام هذا النوع من الهجمات اعتبر «لغزاً محيرا»، ولكن من المرجح أن تشتعل حرب سيبرانية يمكن أن تكون أشد ضراوة من التقليدية وأوسع انتشاراً خارج نطاق روسيا وأوكرانيا، إذ قال وزير الخارجية الأمريكي إن بلاده «على أهبة الاستعداد» للتصدي لهجمات إلكترونية روسية محتملة، وأن بلاده «تركز بشدة على هذا التهديد، وأنها تعمل مع أوكرانيا، بالإضافة إلى حلفاء آخرين على تقوية الأنظمة الدفاعية الإلكترونية استعدادا للهجوم الروسي المحتمل.. ليس فقط ضد أوكرانيا ولكن ضد أمريكا وضد الحلفاء..».
«ربما في 2022، تكون التكنولوجيا المتقدمة هي خير رد على الدبابات وبطاريات الصواريخ المتعددة»؛ هذا ما قاله وزير التحول الرقمي الأوكراني ميخايلو فيدوروف للرئيس التنفيذي لشركة أبل تيم كوك، مضيفاً: «نحتاج إلى دعمكم»، وغرد في تويتر مناشداً إيلون ماسك مالك ستار لينك بتزويد أوكرانيا بمحطات ستار لينك، فجاءه الرد خلال عشر ساعات بتغريدة: «بدأ تشغيل خدمات ستار لينك في أوكرانيا، وهناك المزيد من المحطات بالطريق إليكم».
عبر التاريخ، وربما أقدم من المعارك الحربية نفسها، ظهرت الحرب الدعائية أو النفسية لما لها من تأثير عميق في تغيير العقول والقناعات والسلوكيات، ولعل الأمر حالياً أشد تأثيراً من أي وقت مضى بوجود الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت في متناول الجميع وبين أيديهم، سواء باستخدام المعلومات المنتقاة أو بالهجمات السبيرانية التي يمكن أن تعيق قطاعات مهمة لأحد الطرفين المتناحرين أو حلفائهما..
الحرب الإنترنتية تأخذ أشكالا عدة، أوضحها الشكل التقليدي بترويج أخبار ومعلومات وآراء منتخبة للتأثير في الرأي العام، وكذلك الطريقة المعتادة بحجب القنوات الإعلامية للخصم مثلما حُجبت قناة «روسيا اليوم» الإلكترونية في الدول الغربية.. وأيضاً ما ذكرته يوتيوب من إيقافها للعديد من القنوات الروسية على الموقع والحد من قدرتها على الحصول على أموال عبر الإنترنت والتوصية بها على المنصة، وشاركتها غوغل، الشركة الأم ليوتيوب بأنها لن تسمح لوسائل الإعلام الروسية المملوكة للدولة ببيع إعلاناتها باستخدام أدوات محركها البحثي؛ فيما اعتبرته روسيا انتهاكاً للحقوق وحرية التعبير. ذلك كان في الأسبوع الأول، لكن عقبها حجب كلا الطرفين مواقع الآخر..
هناك أيضاً القرصنة الإلكترونية ضد مواقع إعلامية مثلما أعلنت مجموعة أنونيماس حرباً إلكترونية على الحكومة الروسية، وما يزعم من أنها اخترقت قنوات تلفزيونية روسية.. ومثل تعرض أوكرانيا لانقطاعات متكررة بالإنترنت، فيما قررت شركات خدمات الهاتف الجوال البريطانية أن تكون المكالمات الهاتفية إلى أوكرانيا مجانية مع عدم إضافة أي تكلفة على خدمات تجوال الإنترنت داخل أوكرانيا. هناك طرق أخرى لحجب الخدمة من خلال إرسال كميات ضخمة من البيانات إلى مواقع إلكترونية بحيث يؤدي إلى تباطؤ عملها فتتوقف حسبما سبق أن تعرضت له أوكرانيا.
الحرب الإعلامية لا تقتصر على المؤسسات والقنوات الرسمية بل أيضاً تشمل أشخاصاً بزعم ترويجهم لأخبار «كاذبة» أو أنهم شخصيات وهمية لترويج دعايات.. فمثلاً أغلقت فيسبوك العديد من الحسابات وحذرت من أن بعضها يستخدم حسابات خاصة بالجيش الأوكراني وشخصيات أوكرانية عامة لنشر معلومات مضللة. وبدأ تنفيذ إجراءات إضافية مثل إغلاق حسابات مستخدمين لمنع أي شخص آخر من تحميلها أو نشرها أو نشر محتواها، وكذلك وقف خاصية رؤية قوائم أصدقاء الغير أو البحث فيها. كما أعلنت تويتر، أنها سوف تحذر من التغريدات ذات الصلة بمحتوى حسابات وسائل الإعلام الموالية لروسيا، مشيرة إلى أنها تتخذ خطوات من شأنها التقليل من انتشار هذا النوع من المحتوى على منصتها وفقاً لموقع بي بي سي. بالمقابل فإن الحكومة الروسية تتهم مثل تلك المواقع الغربية «بانتهاك حقوق وحريات المواطنين»، وقد فرضت حظرا جزئيا على الدخول إلى فيسبوك وتويتر بعد صدامات مع الشركات المشغلة لتلك المنصات..
الهجوم السيبراني الذي لم يظهر له دور فعلي، حتى الآن، يتمثل بضرب مصالح الخصوم مثلما زعم مسؤولون أوكرانيون أن عملية تجسس إلكتروني بيلاروسية استهدفت حسابات بريد إلكتروني خاصة بقوات أوكرانية، حسب ما نقلته رويترز. وفي نفس الوقت نشرت بي بي سي أن وزير الأعمال البريطاني سيعقد محادثات مع رئيسة شركة ناشيونال غريد، لمرافق الكهرباء والغاز الطبيعي وسط مخاوف حيال تعرض نظم تشغيل الشركة لموجة من الهجمات الإلكترونية ترعاها الحكومة الروسية.. ويبدو أن الحرب السيبرانية قادمة إذا طال أمد الحرب، إن لم تكن قد بدأت أثناء نشر المقال..