الهادي التليلي
الحرب الروسية الأوكرانية والمعبر عنها بحرب الطاقة والقمح تؤكد بما لا يدع للشك أن إطلاق مصطلح الحرب الباردة على المشهد الجيوسياسي المعاصر مجرد تسويق لخطط استثمارية مشتركة، فالعالم الآن تجاوز منطق العنتريات السياسية إلى المنافسة الاقتصادية والمصالح الاستثمارية التي يعلو صوتها على صوت المدافع، فظاهر الأمر سبب الحرب هو رغبة أوكرانيا للانضمام إلى حلف النيتو وما يستتبع ذلك من آثار على الأمن القومي الروسي بحكم كون روسيا تحد أوكرانيا وصواريخ الحلف الأطلسي لو تم وضعها ستجعل موسكو على مرمى دقائق منها، والمستوى الوسط من التحليل هو أن الاتحاد السوفياتي السابق يحاول أن يبعث نفسه من جديد من خلال الكاريزما التوليتارية لفلاديمير بوتن وطموحه بأن يستعيد الاتحاد السابق وهجه وينتقل العالم من هيمنة غربية إلى هيمنة شرقية هامش توسعها منفتح على فنلندا وألمانيا وغيرهما.
وفي عمق المسألة الأمر يتجاوز كل هذا الظاهر بمستوييه إلى ما هو أعمق إنها حرب الطاقة والغذاء والتنافس الاقتصادي من أجل الاستحواذ على الهيمنة فيهما من خلال حرب الطاقة والقمح، فروسيا تعتبر خزانا هاما للعالم من الغاز، وأوكرانيا تعد من أهم منتجي العالم للقمح وهو التفسير الحقيقي لتخاذل أمريكا في نجدة أوكرانيا ساعة غزتها روسيا لأن الولايات المتحدة منافس شرس لأكرانيا في هذه المادة، وروسيا تحتاج هذه المادة كصمام أمان لأمنها الغذائي حيث إن روسيا بالرغم من أنها من أهم المنتجين في العالم للقمح تحتاج لاكتفائها الذاتي إلى قمح رابع دولة مصدرة في العالم ونعني بذلك أوكرانيا وبالرغم من كونها تستعد للدخول إلى الناتو أو هكذا شبه لها فقد وقعت بين مخالب الدب الروسي بالرغم من كونها من أعتى الدول الأوروبية عسكريا.
وبالنسبة للنفط والغاز فنعلم جميعا أن إمدادات النفط الروسية لأوروبا تمر عبر أوكرانيا في مجملها وهو أمر جد مقلق بالنسبة لروسيا حيث يصدر مالا يقل عن 100مليون متر مكعب من الغاز عبر التراب الأوكراني يوميا علما أن المد لأوروبا لم ينقطع أو ينقصد في إمداده رغم الحرب والتهويل الإعلامي حول ما يطلق عليه بالخنق الاقتصادي لروسيا.
وهنا تستوقفنا بعض النتائج التي تؤكد بأن التنافس الاستثماري الاقتصادي هو السبب العميق لهذه الحرب حيث غنمت أمريكا الكثير نتيجة الغزو الروسي إذ تم الترفيع في سعر القمح إلى 390 دولارا للطن الواحد، كما تجاوز وغنمت روسيا والاتحاد السوفياتي من ارتفاع سعر البترول والغاز.