خالد بن حمد المالك
أوهمتنا الدول الكبرى بأننا لن نكون على مشارف حرب عالمية ثالثة، وأن الدروس والعبر التي تعلمتها الدول الكبرى من الحربين لا تسمح بتكرارها، وأن ويلات الحرب في حساب المكاسب والخسائر، هي في النهاية خسائر موجعة ومدمرة وقاتلة ولن يسلم منها أحد، وأنها إن حدثت ستكون أشد فتكًا من سابقاتها، نسبة للتقدم الهائل في صناعة السلاح المتطور وتوفره بجميع الدول.
* *
غير أن ما باعته هذه الدول علينا من أوهام وتطمينات، ما جعل العالم الأضعف في حالة استرخاء، مخدرًا بالسلام اليقيني، مبشرًا بألا عودة إلى حروب واسعة، هي كذبة كبيرة، كشفتها الحرب الباردة، ثم السباق على امتلاك الأسلحة المدمرة، وأخيرًا نموذج ما هو آتٍ من خلال الحرب الروسية - الأوكرانية، بشكل أفجع وأخاف القريب والبعيد من ساحة الحرب.
* *
لسنا هنا في موقع من يقرر من أشعل فتيل هذه الحرب، ولا من كان سببًا وراء هذه الصور المؤلمة، والمشاهد الدامية، ولا من يميل إلى هذا الطرف أو ذاك، أو يتعاطف مع أي منهما، فيما لا يغيب الحس الإنساني المصاحب لكل منا أمام هذا القتال العبثي الدامي، لكننا ضد هذه الحرب أيًا كان سببها، ومهما كانت مبرراتها، ونحن مع الحوار والدبلوماسية لقتل كل ما يؤدي إلى استمرارها.
* *
المؤسف حقًا أن القبول بالحوار، والدعوة إليه لا يأتي إلا متأخرًا، لا يكون محل القبول من الأطراف المعنية إلا بعد أن تبدأ الحرب، وتأكل الأخضر واليابس، وتقضي على الثابت والمتحرك، ولا ترحم حتى الأطفال والنساء وكبار السن، وكأن هناك من يتعطش لمشهد الدماء، ويرى فيها ومنها صور لبطولاته وشجاعته في قتل حتى الأبرياء من المدنيين.
* *
أمريكا والغرب، التي اعتقدت أوكرانيا ورئيسها وحكومتها أنها ستكون قادرة على كبح غضب روسيا، ومستعدة لمواجهة القوات الروسية إذا ما غزت الدولة الأوكرانية المستقلة، ظهرت كحمل وديع، تعلن أنها لن تدخل في حرب مع روسيا، مكتفية بعقوبات اقتصادية وقتية، ودعم بمعدات تقليدية دفاعية محدودة، وتنديد إعلامي، دون أن يؤثر ذلك في التوجه الروسي في إسقاط الحكومة وعزل رئيسها، وإعادة الدولة إلى الطاعة بما تمليه موسكو عليها في المستقبل.
* *
والصين لا تتفق مع الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية في موقفها من هذه الحرب المجنونة، بل إنها لا ترى أن ما تفعله روسيا في أوكرانيا باعتباره غزوًا، وتزيد على ذلك بالطلب من الجانبين إيقاف القتال إلى حين انتهاء الألعاب الأولمبية التي تجري في الأراضي الصينية، أي أن هذه الحرب تصبح مقبولة صينيًا إذا تزامن استئنافها مع انتهاء فترة الألعاب الأولمبية التي حضر تدشينها الرئيس الروسي.
* *
مجمل الكلام، أننا أمام تصعيد روسي للوصول إلى ما هو أسوأ، بدليل أن روسيا وضعت قواتها النووية في حالة استنفار قصوى، وأن تكون متأهبة فيما لو صدرت لها التعليمات بالضغط على الزر في ترسانتها النووية، الأمر الذي يفسر خوف أمريكا وحلفائها من تداعيات هذه الحرب، وإسراع الرئيس الأمريكي للقول بأن أمريكا لن تدخل في حرب مع روسيا، ومثله فعل رؤساء الدول الأوروبية، - وهو ما كان متوقعًا- اعتمادًا في تفسيره للموقف الغربي المتخاذل في حالات سابقة.