د. فيصل صفوق البشير المرشد
أغروها بعظمة منظومتها وجمالها من جميع نواحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وكلما توددوا لها ازداد ميلها نحوهم إلى أن أعلنت أنها تواقة للانضمام إلى كتلتهم، وهي تعلم وهم حساسية هذا الفعل وخطورته بالنسبة لجارتها القوية وطموحاتها لاستعادة امبراطوريتها التي اندثرت وفي الطريق إلى الأرض الموعودة تغيرت الظروف والمصالح وتركوها بفعلهم هذا قادوها إلى الجحيم تواجه مصيرها وحدها.
هذه حالة أوكرانيا المسكينة أصبحت لعبة تتقاذفها الدول القوية من الكتلة الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفها النيتو ويقابلها روسيا الاتحادية العطشى للقيام بعمل ما يلفت أنظار العالم، وفي نفس الوقت إعادة جزء من امبراطوريتها التي سلبت منها كما تعتقد حين تفكك الاتحاد السوفيتي.
تلك الحادثة التي وصفها الرئيس بوتن بأنها أسوأ حدث حصل في القرن العشرين.
إنني لا أدعي معرفة من هو على حق والآخر على باطل فالأشياء هنا نسبية. غير أنها ليست نسبية ولا جدال حولها حين يشاهد الإنسان ألم والد يودع ابنته الهاربة من بيتها في أوكرانيا في طريقها إلى ملجأ في بلد مجاور، أو سفير أوكراني يذرف الدمع خوفا على بلاده. هنا لا يسع الإنسان إلا أن يتألم ويذرف الدمع مع ذارفيه من وحشية الإنسان نحو أخيه الإنسان. من يلام والذي أوصلنا إلى هذا الوضع العالمي الخطر. إنني أميل إلى لوم الكتلة الغربية وحلفها الذي روج لانضمام أوكرانيا له وغيرها وهو يعلم اعتمادا على أفعال روسيا العسكرية الماضية في كل من جورجيا والشيشان والقرم، أن روسيا لن تقبل هذا الانضمام إلا إذا أرغمت، وأنها ستستعمل كل ما عندها بما فيه القوة العسكرية لإفشاله، في حين أن الجانب الغربي وحلفه يعلم علم اليقين أنه لن يتدخل عسكرياً وهو الرادع الوحيد لروسيا.
وهكذا وصلنا لهذا الوضع الذي تجتاح فيه القوات الروسية أوكرانيا وتهجر وتدمر. وزعيم العالم الغربي والزعماء مع الآخرين في الغرب لا يملون الترديد على أسماعنا يوميا من أنهم سيعاقبون روسيا عقابا شديدا، في حين أن الحرب مستمرة. وتدفع أوكرانيا وحيدة ثمنها بالدم والحديد.
إن كان أمل واستراتيجية الغرب توريط روسيا في حرب طويلة في أوكرانيا على غرار أفغانستان فقد أخطؤوا من الناحية العسكرية وحتى الاجتماعية فحوالي سبعة عشر بالمائة من مجموع سكان أوكرانيا روسيون. وهذا برهان قاطع على سوء التحليل من الجانب الغربي وخاصة أمريكا البلد الذي أكن لشعبه الكثير من الاحترام وأتألم حين أراه في هذا التيه هنا وهناك في هذا العالم. وتستمر الحرب بكل قبحها وزعماء الغرب وخطبهم السقيمة، ورئيس روسيا يهدد ويتوعد. وهذه الخطب الرنانة تذكرني بخطب أوباما التي لا تسمن ولا تغني من جوع، أقوال بلا أفعال وكان هدفها النهائي إلقاءها للسامعين فقط. وهكذا فإن زعماء الغرب أصيبوا بداء الأوبامية البغيض.
ليحمي الله القدير البشرية من مدعي الحكمة في أمور هذا العالم، الساسة مسوقو الكلام اللاعبون بحياة ومصالح الناس المسالمين لإرضاء نزعاتهم المريضة ومصالحهم الضيقة.