عبد العزيز الصقعبي
إلى:..
هل أقول لك «يا فنان»، ربما تكون كذلك، أنا لا أعرف عنك شيئاً سوى جلوسك في الدكان الصغير ذو الواجهة الزجاجية، والتي تزينت «ببوسترات» لألبومات عدد من المطربين، لا أتذكر مرادفاً لكلمة بوستر، ربما قيل» أفيش» ولكنها لا تستخدم، ربما ملصق إعلاني أو لافته، عموماً، هي لوحات ملونة بها صور لبعض الفنانين و أسماء أغنياتهم، يبدو لي خرجت عن الموضوع، لنعد إليك، أنت لك علاقة بالفن، تبيع أشرطة كاسيت لمطربين ومطربات، دكانك صغير، ولكن به أرفف بها مئات الأشرطة، إضافة إلى جهاز للنسخ الصوتي، في زمن سابق، كانت هنالك محلات كثيرة مثل محلك، في كل حي، وفي زمن تلا ذلك تحولت بعض المحلات إلى بيع أشرطة الدعوة والمحاضرات، واختفت منها الموسيقى، لكن أعود لك أنت بالذات، أعتقد أنك مختلف، أنا كنت صغيرا عندما كنت أمر بجانب محلك، ربما مرة أو أكثر تجرأت واشتريت من محلك شريطاً غنائياً لفنان، أو كنت وسيطاً لشراء شريط، الأمر عادي تماماً، لا جديد، ولكن بالنسبة لي، أرى أنك مختلف، لأنك لم تغادر مخيلتي، أنت تلبس ثوباً وغترة بيضاء، وأحياناً بدون غترة أو شماغ أو شال، شعرك شبه ناعم وطويل نسبياً، تعتني به، يعجبني أحياناً ثوبك الأبيض، والأزرّة الأربعة السوداء في الرقبة، ثوبك دائماً مختلف، تلبس أحياناً قيطان، تحلق ذقنك، وشاربك خفيف جداً، ربما أنت وسيم، ولكن وسامة لا تصل للجمال الصارخ، تلفت نظر من يشاهدك، و تتحدث بهدوء، وتعرف جميع أغنيات الفنانين والفنانات، أحد الأصدقاء أخبرني أنه رآك في حفل شارك فيه عدد من المطربين، لم يقل لي هل كنت تغني، أم كنت من ضمن الفرقة، لذا كنت متشوقاً لمشاهدتك خارج محلك الصغير والذي تبيع فيه أشرطة الكاسيت، وتحقق لي ذلك، كان هنالك عدد من الفنانين شاركوا في حفل غنائي، جلستُ مع صديقي ضمن جمهور محب للطرب، وبدأ الحفل وفعلاً رأيتك، لستَ المطرب الذي أمتعنا بأغنياته، و ألتمس العذر بعدم ذكر الأسماء، ربما لشهرتهم، ولا أرغب أن أقول حضرت حفل الفنان المشهور، لأن في ذلك الزمن القديم وبالذات في مدينة مثل الطائف أمر طبيعي، ولكن أعود أقول لستَ المطرب، ولم تكن ضمن الفرقة الموسيقية، كنت ضمن الجوقة، أو ما يطلق عليه الكورال، تردد مع مجموعة من الرجل بعمرك، ولكن أقل أناقة منك، خلف المطرب، أنت خامس أربعة، صوتك غير واضح لأنه من ضمن الجوقة، تبتسم، وأنت تغني ضمن المجموعة.
سنوات قليلة مرت بعد ذلك بقيتَ في محلك، كبرتُ أنا قليلاً وأصبحتُ أجرؤ على الدخول لمحلك، لأختار بعض أشرطة الكاسيت، أنت لم تتغير، بدأت تستخدم سماعتي أذن كبيرتين لتستمع للأغنية أو لتسمعها للمشتري، مع وجود لوحة في الخارج لمنع دخول النساء، تلك السنوات جعلتك تقرر ربما الانتقال من حينا، أو تغلق محلك للأبد، للأسف لم أوثق علاقتي بك، لكونك أكبر مني ربما بعشر سنوات، وأنا كنت خارج دائرة الفن وتحديداً مجال الأغنية والطرب، سألت بعض الزملاء عنك، بالذات ذلك الصديق الذي لمحك ضمن الكورال، كان مثلي لا يعرف إلى أين غادرت، ولم ألتقيك مطلقاً في مقر جمعية الثقافة والفنون، يا إلهي هذا الفنان الأول الذي قابلته في حياتي، الأنيق الذي يلبس ثياباً بها أزرّة كثيرة، ويلبس طاقية زري، وغترة بيضاء مثل بعض المطربين في بداياتهم، أين ذهب، وهل بقي بائع لأشرطة الكاسيت.
انقرض الكاسيت، لا أحد يعرفه في زمننا هذا، بالذات الأجيال الجديدة، وبدأ الجميع يقتني الأقراص المضغوطة أو ما نطلق عليه الـ(سي دي)، ربما لا يزال البعض يستخدمها، ولكن أعتقد أنها على وشك الانقراض، وحلت الآن التطبيقات والمواقع الإلكترونية، وكل أغنية لأي فنان بسهولة نسمعها بواسطة هاتفنا المحمول.
أنت يا بائع أشرطة الكاسيت، كنت ضمن جوقة، صوت ضمن أصوات متعددة، لا قيمة له بدون الآخرين، كنت مختلفاً فقط بأناقتك وقدرتك على تسويق ما يقدمه بعض المطربين من جديد في محلك، هل بَقِيَتْ قدرتك بمعرفة ذائقة كل زبون الموسيقية، هل تركت تلك المهنة، بكل تأكيد تركتها، ولكن هل يوجد مثلك الآن، هل الذائقة القديمة باقية، لوكنتَ موجوداً هل ستكون (دي جي) أو بصيغة أوضح منسقاً صوتياً، ربما هي مناسبة، ولكن ذلك الشخص لا يبيع، هو يقوم بمزج وتنسيق أغاني مختلفة، في الحفلات، هل سيكون لك مكان في «ساوند ستورم» مثلاً، إنه شيء أشبه بالانفجار حيث يتحول محل صغيرة إلى ساحة أو ساحات، تتداخل فيها الموسيقى والأغنيات، و يتحول الثوب الأنيق والغترة والطاقية الزري، إلى ملابس فيها كثير من الصخب والفوضى، أشتاق لأن أعود لمحلك وأشتري شريط كاسيت لجلسة طربية، ولكن أنت اختفيت، ربما انقرضت كما الكاسيت، عموماً سأفكر لا حقاً بنهاية لك، وآمل أن تكون سعيدة.