[2]
[تابع لسابق] ذلك أنَّي العام الماضي لعامي هذا ذي الحكاية قد ظهر قبولي في برنامج الدِّراسات العليا بجامعة الإمام محمَّد بن سعود الإسلاميَّة في الرِّياض قبولاً مشروطاً بإذنٍ من مرجعي العلميِّ، وكنت قد رفعت إلى الوزارة استمارة طلب تفرُّغ للدِّراسة فلم يصدر لي تفرُّغ (ابتعاث داخليٌّ) لقلَّة ما كان معي من دورات، فأدَّت إلى قلَّة في مجموع النِّقاط المؤهِّلة للتَّفريغ، فلما اقترب بدء العام الدِّراسيِّ في تلك السَّنة، ولم يصدر لي تفرُّغ، وقد خشيت عليَّ من طيِّ قيد قبولي؛ لأنَّه مشروط بالإذن من مرجعي= أتيت إلى رئيس التَّدريب راغباً في أن يعطيَني إذناً بالدِّراسة لأحفظ قبولي، وأوجِّل على ضوئه دراستي؛ لأنِّي في حائل والدِّراسة في الرِّياض، لكنَّ الرَّئيس امتنع بحجَّة أنَّ مقرَّ الدِّراسة أبعد من (80) كم، واستغرب هولاً من طلبي إيَّاه واستعجب تَهوالاً! إذ كيف يكون ذلك، كيف؟؟ تدرِّس عندنا في حائل وتدرس في الرِّياض! فقلت: أيُّها النَّبيل أستاذي الجليل، الأمر أهون من هذا الهول، لن أجمع بينهما الآن قطعاً، ولكنِّي أريد ضمان قبولي كيما لا يذهب عليَّ؛ فقال جازماً حازماً: لو زدت كيلاً واحداً فوق (80) لم أعطك إذناً! فأيست منه ذلك العام، وراح عليَّ قبولي تلك السَّنة، وأمَّا أمر هذه السَّنة الَّتي تلتها فحالها هي ما ذكرت بعضه في المقالة السَّابقة، وسأذكر بقيَّته وأحكيه الآن وفي لواحق المقالات.
أقول: لمَّا أن رأيت هذا رأي التَّدريب والابتعاث العام المتصرِّم وكيف انفرط قبولي من بين يديَّ رأيَ العين! لا حول لي ولا قوَّة في درئه، ومن بيده ذلك هذا قوله وهذا رأيه، وكذا قولهم لي هذا العام في أمر التَّمكين من الدَّورات السَّبع= عزمت رأيي وفوَّضت أمري على أن ذلك سيتيسِّر، ألزمت نفسي أن أسير في الدَّورات الخمس، فإذا جاءت السَّادسة والسَّابعة سيحلُّها حَلاَّلٌ كما يُقال، ولكنِّي لن أفرِّط هذا العام في ذلك أبداً؛ فنزعت منِّي لنفسي عزماً ألوذ به، وأستنشط إذا فترتُ من ضربات القوم، ولكمات أهل التَّدريب التَّربويِّ والابتعاث!
بدأ العام الدِّراسيُّ الجديد والفصل الدِّراسيُّ، وراح القبول الجامعيُّ للدِّراسة العليا وأنا متحسِّر جرَّاه أتجرَّع غُصصه، وأرى خيبتي في وجوه القوم، لكن لله الأمر من قبل ومن بعد. انتظمت في دوراتي الخمس المسجَّلة فلمَّا أنهيت الدَّورات الخمس، وجاءت السَّادسة التحقتُ بها- والعدد الَّذي يُسجَّل في الدَّورة الواحدة (25) حدًّا أقصى، ولكن الحضور لا يزيد في الغالب على (15) متدرِّباً، ذلك أنَّ بعض المعلِّمين يسجِّل في الدَّورة ولا يحضر؛ لذا يعمد المدرِّب إذا انعقدت الدَّورة أن يسجِّل بيده على الكشف مَن دخل معه ولم يكن اسمه مسجَّلاً فيه، وفي نهاية الدَّورة في اليوم الخامس تطبع شهادات الحضور لمن حضر الدَّورة وانتظم فيها، ويسمح بغياب يوم واحدٍ، لذا انتظمت أنا معهم في دورة انعقدت هي سادسة لي، ولمَّا أن جاء يوم الأربعاء وسُلِّمت الشَّهادات لم أسلَّم شهادة، ورغب إليَّ المدرِّب أن أزور المركز صباحاً من أجل ذلك، ولما أن جاء الصَّباح زرت المركز والتقيت بالرَّئيس وثار لغط ونزاع قول في الاستحقاق، فقلتُ له: لم لم تعطونني شهادة حضورٍ؟ وأنا قد حضرت دورة كاملة، هذا أمر لا يحسن بكم، وهو من غمط الحقوق فلمَّا كثَّرت عليه ذلك قولاً، بأنَّ لنا جميعاً مرجعاً لا يرضى بمثل هذا، وأعني بذلك مدير عام التَّربية والتَّعليم سعادة أد. عثمان بن صالح العامر، قال الرَّئيس: راجعنا بعد غدٍ لننظر في أمرك، قلتُ: الأمر لا يحتاج إلى نظرٍ، وهو استحقاقٌ لي، وأنا أطالب به، فقال لي بلفظه: «خير خير .. إن شا الله».
وقد علمت بعد مدَّةٍ أنَّه طلب اجتماعاً طارئاً لجميع المدرِّبين العاملين في التَّدريب لتداول الرَّأي في أمر المتدرِّب: فهيد الرَّباح، وبعد مداولاتٍ، ولأيٍ اقترح عليهم مَن اقترح، وقال قائلهم: أنتم ملزمون بإعطائه شهادة حضور ما دام أنَّه قد حضر البرنامج كاملاً، وهذا استحقاقٌ له لا يُمنعه، ولو دخل على مدير التَّعليم لألزمكم بذلك ووبَّخكم، ثُمَّ اقترح المجتمعون من أهل الرَّأي أن يمنع (فهيد الرَّباح) من الحضور لأيِّ برنامج تدريبٍ آتٍ إلى نهاية الفصل الدِّراسيِّ، وأن تُعرض أسماء المضافين في الكشوف يوماً بيومٍ من أوَّل يوم في الدَّورة على الرَّئيس رئيس التَّدريب والابتعاث، أو مدير المركز مركز التَّدريب التَّربويِّ ليستدركه، ويمنع حضوره قبل أن يتمَّ الدَّورة؛ لئلا يلزمنا له شهادة حضور.
وجاء يوم بعد غدٍ فأتيت -على فألي ولم أعلم ما صنع القوم- على الموعد المضروب بيننا، فواعدوني أسبوعاً آخر لمراجعتهم، ثُمَّ بعد ذلك أعطوني شهادة حضور، وهم من غير نفسٍ وبلا رضا.
ولمَّا أن جاءت الدَّورة السَّابعة الَّتي هي خاتمة الدَّورات لهذا الفصل الدِّراسيِّ، وكانت هذه الدَّورة مقسَّمة على مدرِّبَين اثنين، ثلاثة الأيام الأُوَل مع المدِّرب الأوَّل، واليومان الباقيان مع المدرِّب الثَّاني، فلمَّا حضرتُ اليوم الأوَّل خاطبني المدرِّب الأوَّل وحرَّصني بأن أزور مركز التَّدريب صباحاً، وأن أُراجع إمَّا مدير المركز وإمَّا رئيس التَّدريب، وقد تغيَّبت يوم الأحد لشغلٍ شغلني، ولمَّا أن حضرتُ يوم الاثنين ورآني بدا المدرِّب واجماً، وانشده ذاهلاً، ثُمَّ قال لي: هل زرتَ مركز التَّدريب أمس؟ فقلتُ له: كُلْفَتُك من ذلك تبليغي وقد فعلتَ، فلا تنشغل بي ولا بما بعد ذلك، ولاطفته بأن لا يرسم نفسه مداعياً باسم التَّدريب أو مدَّعياً لهم، وسرى تدريب عصر ذلك اليوم بسبيله، لكن في الصَّباح حدث الحَدوث وسيأتي بيانه.
وجاء يوم الثَّلاثاء وكان بقيادة المدرِّب العزير المدرِّب الثَّاني وكان هذا المدرِّب أستاذاً قديراً عندي، وسيدرِّبنا اليومين الباقيين، واجتمعنا عند باب المدرسة المتوسِّطة لندخل معاً إلى مركز التَّدريب هو فيها في الدَّور الرَّابع، وقد لاقيت المدرِّب الثَّاني وسلَّمت عليه وحيَّيته في موقف السَّيَّارات قبل الدُّخول؛ فأوجست ريبة من تعاطيه معي في السَّلام إذ بدا عليه شرود لم أكن أعرفه منه ولا عهدته عليه من قبلُ، وأنكرت منه شيئاً، وخافقني خاطري أنَّ المدرِّب الثَّاني في بطنه شيءٌ ما، واستبعدت أن يكون من قِبلي، بل جلُّ ما في الأمر عندي تجاه ذلك أنَّ أحداً من أطفاله فيه بأس أو نحو من ذلك، فهو أثير وعزيز عندي، وكنت عزمت أنَّنا إذا دخلنا سأسأله عن حاله وحال أسرته، ولكن جرى ما غيَّر ذلك، فلمَّا صعدنا الأدوار الأربعة، وبلغنا باب المدخل إلى الدَّور الرَّابع، وحاول المدرِّب الثَّاني في فتحه وعالجه، فأبى الباب الانفتاح كما قال لنا، وهو ما نراه أمامنا؛ فعجبنا من ذلك لهذه الحال، فابتدر بعضنا في معالجات هذه المشكلة، فمن قائل نأتي بمصلِّحٍ ليفتح لنا، وآخر يذكر أنَّه سيعتلي ويتسلَّق ليدخل من الدَّاخل، ويفتح المصراعين فعسى أن ينفتح، وغير ذلك من الحلول، فقال المدرِّب حينها وقد حملق بعينيه وأظهر زمجرة وغضباً: قد أذنت لكم اليوم بالانصراف، وأردف قوله، وغداً -يعني الأربعاء آخر أيام الدَّورة- كذلك لا تحضروا غضباً مني ومن حالنا هذا اليوم، وأُورِد قولته بلفظه: « بُكرا لا تجون اِزْعَلةٍ مني»، فانصرفنا راشدين مستعجبين من حالنا، وكنتُ أنا أحنق القوم على هذه الحال؛ لأنَّني أنا المتضرِّر الأكبر من ذلك، فلمَّا أن جاء يوم الأربعاء نازعت من نفسي أن أذهب إلى مركز التَّدريب عصراً، فربما المركز لا يوافق على صنيع المدرِّب بإسقاطه هذا اليوم، ويجتمع الزُّملاء بتبليغ من المركز من دوني، وأنا أعلم من حال المركز معي في ذلك ما أعلم، وأنَّني كذلك متغيب عن يوم الأحد، ولو اجتمع يومان غيابٌ فستلغي الدَّورة عليَّ ولا تحتسب لي عندهم؛ أي: أُحرم من شهادة حضور الدَّورة، وهذا ما لا أريد وقوعه، وحضرت عصر يوم الأربعاء إلى مركز التَّدريب ولم يحضر أحدٌ، واتَّصلت ببعض زملاء الدَّورة فأخبروني أن لم يصلهم شيء من ذلك لأجل الاجتماع، فانتابني جزع وخوف من إلغاء هذه الدَّورة بأن تنتزع منَّي، وأنا الَّذي أصارع لأجلها، فنبذت ذلك كلَّه وطَّرحت الجزع، وقلت: إن كان ذلك فالحمد لله على كلِّ حال.
أمَّا حديث الحَدوث فهو أنَّ المدرِّب الأوَّل لمَّا أن حضر إلى المركز صباح يوم الثلاثاء خبَّرهم أنَّي حضرت يوم الاثنين عصراً، وأن تغيبي يوم الأحد ليس انقطاعاً أو استجابة لطلبه إيَّاي بزيارتهم -وأنا في الحقيقة لم أزرهم أصلاً لأنَّي عارف ما عندهم، وما سبق حديثه كاشف عمَّا تكنُّه لي صدورهم من رأيٍ في ذلك- عند ذلك أعلن رئيس التَّدريب الاجتماع الطَّارئ من أجل الوصول إلى طريقة لمنع المتدرِّب: فهيد الرَّباح من حضور بقيَّة أيام الدَّورة لحرمانه منها، وكانت الدَّورة تُعقد عصراً، وهي من وقتي وتنفعني في مبتغاي ولا تضرُّهم بشيءٍ؛ فاعجب لذلك أيَّما عجبٍ!! وبعد تداولٍ للرَّأي اتُّخذ المجتمعون قراراً، وهو ما طرحه مدير المركز إذ اقترح أن يبكِّر هو بنفسه للحضور عصر يوم الثُّلاثاء ويقف بباب المركز، ولا يمكِّن المتدرِّب: فهيد الرَّباح عنوةً من دخول المركز؛ أي: المنع بالقوَّة الجسديَّة من الدُّخول= هذا ممَّا قيل لي من حكاية ذلك الاجتماع الطَّارئ، وعند ذلك قال المدرِّب الثَّاني: أنا إن حضر فهيد الرَّباح ألغيت الدَّورة، وهذا الَّذي حصل لمَّا أن أعلن خراب مزلاج باب المدخل ودعواه من تأبِّي المفتاح من أن ينفتح، فقد كان ذلك منه مقصوداً ومتعمَّداً، وقل مثل ذلك: في سبب اضطراب سلامه وارتباك كلامه وذهول موقفه وقتما سلَّمت عليه لمَّا أن التقيت به قبل أن نصعد إلى باب المركز. [متبوع]
** **
- د. فهيد بن رباح بن فهيد الرَّباح