كنتُ حديثة عهد بالتخرج يوم أن انضممت إلى طالبات دفعة الماجستير 1435هـ، وكانت أولى محاضراتنا للدكتور محمد القسومي في مقرر (البحث)، وللحقّ كان شديدًا معنا بما يخصّ الّلغة واللحن فيها إلى درجة أنه كان يعرض أخطاء الطالبات على شاشة العرض على الملأ، سواء أكانت أخطاءً كتابية، أو لُغوية، أو نحوية، أو أسلوبية؛ غرضه من ذلك تعليمنا ليس إلَّا، وكان لذلك أثره في أن تتوجّس نفسي خيفة منه وتردّدًا، لكنَّ ذلك كلّه تبدّد حينما احتجت استشارته لخبرته في أمرٍ إداري، لأجده حينها إنسانًا هيّنًا ليّنًا معاونًا ومعينًا، وبدا لي من ذلك الموقف أنَّ شدّته في المحاضرات ما كانت إلَّا شدّةَ غيورٍ على اللغة، مشفق على حالها لدى أبنائها! وهذا ما شجَّعني بعد ذلك أن أعرض عليه فكرة موضوع بحث الماجستير الخاص بي؛ خاصة أنّ الموضوع جديدٌ ولم يُدرس من قبل، فما كان منه إلّا أن حرّك روح التحدّي عندي، إذ طلب أن أجمع قرابة مئة بيت من ديوان الشاعر الذي كنت سأدرس شعره، وقبلتُ ذلك لأثبتَ له أنَّ ثقة التحدّي التي بثّها فيَّ - مُشجّعًا وواثقًا- لن تذهب سُدىً! فكان أن جمعت المئة بيت في يوم واحد لأخبره في يومها معلنة انتصاري! لكنَّ دقّته المعهودة لا تقبل إلّا التثبّت والتقصّي؛ إذ أرجعني لأتحقّق جيدًا من تحقيق الديوان، وما إذا كان متوافرًا أو لا، وكان منه شحذ همّتي؛ حيثُ بذلت كل ما أستطيع لطلب الديوان خصّيصًا من العراق، وبفضل الله وصلني.
وبعد أن قطعت شوطًا طويلًا في البحث مع مشرفي الدكتور محمد، تأكدتُ أنَّ ثقته كانت هي القوة التي بدّدت كل مخاوفي وكل الصعوبات، وأنَّ سعيه لصناعة باحثة واثقة تملك الأسلحة المطلوبة أهم من كل أمر؛ فكان آخذًا بيدي، متابعًا لخطواتي، مقدمًا لي سديد الرأي والتوجيه، حتى خرج موضوعي (الأطعمة في ديوان الشاعر كَشاجم: دراسة موضوعاتية) بحلّةٍ باهية – بفضل الله وتوفيقه -.
وما زال -حفظه الله- يُقدم لي ولغيري النصيحة والإرشاد برحابة صدر حتى بعد الانتهاء من البحث.
أدام الله عليه توفيقه في كل قول وفعل، وجعله من الفائزين برحماته الواسعات!
** **
ريوف العبد الواحد - طالبة دراسات عليا