عندما تلقيت الدعوة للكتابة عن زميلي الدكتور محمد بن سليمان القسومي سعدت كثيرًا؛ لأنها فرصة مواتية لبث مشاعري تجاه أحد الزملاء الذين سعدت بصحبتهم سنوات من العمل المشترك في كلية اللغة العربية في جامعة الإمام، وكان ذلك مع بداية عام 1412هـ، حيث انتقلت من فرع الجامعة بأبها إلى الرياض.
وفي تلك السنوات التي أمضيتها في الكلية سعدت بصحبة الكثيرين من العلماء الكرام ممن يكبرونا علمًا وخلقا، استفدنا من تجاربهم وعلمهم، ثم كانت لنا الصحبة بأقراننا في العمر ومن بينهم الزميل العزيز أبو أمين.
وفي السنوات الأولى من انتقالي كان الدكتور محمد مشغولاً بأعمال الاختبارات، ولكن سيرته الحسنة التي بناها عندما عمل في الاختبارات أغرت الآخرين بمعرفته والتقرب منه، ثم توطدت العلاقة به من خلال حضور جلسات القسم، وفيه تبدلت المواقع معي ومعه بين أعضاء في القسم ورؤساء له؛ فكنت أجد في كل ذلك أدباً جماً في الحوار، وتقبلاً للرأي من الآخرين، ومداخلات تشي بسعة العلم وحصافة التجربة.
ولا تكاد تخلو جلسات القسم من تكوين لجان علمية يشارك فيها عدد من الأساتذة، ويكفي أن تجد نفسك مشاركاً في لجنة يصحبك فيها الدكتور محمد القسومي، لتجد الإنجاز والحرص الذي عرفه عنه الجميع!
وللدكتور محمد نشاط علمي وبحثي واسع، ويكفي الاطلاع على سيرته العلمية للتعرَّف على عدد كبير من المشاركات في مؤتمرات ولجان داخل الجامعة وخارجها، وهو في كل تلك المشاركات من أكثر أعضائها نشاطاً وعطاءً.
وهذا العطاء الذي تميَّز به الدكتور محمد ظهر أثره في طلابه؛ فما التقيت أحدًا منهم إلا وأثنى على أبي أمين في حرصه على إثراء فكر طلابه، والسعي لإعطائهم المعلومات وحثَّهم على البحث عنها في مظانها ومصادرها.
ومن المهم أن أذكر بعض السمات الاجتماعية التي تميز بها الزميل العزيز وكان فيها ولا زال مجليًا، وأولها وفاؤه لأساتذته ممن غادروا القسم وانتقلوا إلى مواقع علميّة أخرى؛ فما يكاد يسمع حضور أحدهم إلى الرياض إلا وبادر باستدعائه لمنزله العامر، لإكرامه والاحتفاء به، ثم ما كان من حرصه على زيارة من ترك العمل لكبر سن أو مرض؛ إذ نراه يحثنا دائمًا على زيارتهم والسؤال عنهم.
خصلة جميلة في أبي آمين -يحفظه الله- وهي بشاشته وسعيه لخدمة الآخرين وكأنهم من يقدمون له الخدمة بسؤالهم؛ ولي معه مواقف كثيرة أدركت من خلالها تفرّده في هذا الخلق الكريم وكأني به من يعنيه زهير بقوله:
تراه إذا ما جئته متهللاً
كأنَّك تعطيه الذي أنت سائله
وإنَّ أكثر ما يُميّزه عن الكثير طلبه للكمال فيما يُنشر، وأحسب أنَّ البحوث التي قام بها على قدر من الجودة والإتقان والجدّة، فهو من أوائل من كتبوا عن الشاعر الكبير (محمد بن علي السنوسي)، كما أنَّ بحثه في الدكتوراه يتناول فترة زمنية منسيَّة ومهمة من تاريخ الشعر في مكة والمدينة في (القرنين التاسع والعاشر الهجريين)، وتلا ذلك بدراسات قد نُشرت له، وكم نحن محظوظون بمثل تلك الدراسات والمنجزات البحثية، لمثلِ هذا العالِم الفذِّ!
** **
د. علي جمّاح - قسم الأدب - جامعة الإمام
د. علي جمّاح