د. عبدالحق عزوزي
للأسف الشديد ورغم القمم والاجتماعات اللا متناهية، لم تنجح الأمم مجتمعة في وضع خريطة طريق صحيحة يتبناها الجميع في سبل تكيف البشرية مع تغير المناخ؛ فلم تتعلم بعد كيف تتعامل مع العواقب، وفي غياب هذا التكيف، سيكون تأثير الاحترار المناخي كارثيا في السنوات المقبلة.
هل يجب انطلاقا من هذا الكلام التوقف عن عقد القمم وإطلاق المبادرات؟ لا. يجب الاستمرار في ذلك والقيام بكل المبادرات التي يمكنها أن تلزم العالم بأخذ التدابير في سبيل الحد من تغير المناخ الذي يحدث فعليا ويتسبب في تدمير الحياة والاقتصاد... نحن في حاجة إلى التكيف مع مناخنا المتغير، وعلينا أن نفعل ذلك الآن؛ فنحن نواجه أوقاتا عصيبة بالنسبة إلى كوكبنا والطريقة الوحيدة التي سنحمي بها مستقبله هي أن تسير الدول على المسار الصحيح.
ثم إنه مع قرار الرئيس الأمريكي بايدن إرجاع بلاده إلى اتفاقية باريس للمناخ التي تخلى عنها الرئيس دونالد ترامب وإعادة العمل بمجموعة كبيرة من القوانين البيئية التي أقرت في عهد الرئيس السابق باراك أوباما وتخلى عنها ترامب، وعرضه لقائمة أسماء الأعضاء الرئيسيين في فريقه المكلف بملف المناخ، ويقينه بأن مكافحة الاحتباس الحراري الذي يعد «تهديدا وجوديا» ستكون محورًا أساسيًا في إدارته الساعية لإعادة بناء الاقتصاد الأمريكي المتضرر من جائحة كوفيد - 19، كل هذا يبعث آمالا لإحياء المساعي الدولية لمعالجة التهديد الوجودي في عصرنا هو التغير المناخي.
ومن بين الأمثلة التي يمكن أن نذكرها هنا في مجال آثار أزمة المناخ ما يقع في أستراليا؛ فمنذ أزيد من سنة ونصف السنة، أدت درجات الحرارة المرتفعة واستمرار موجة الجفاف في أستراليا إلى انتشار موجة حرائق غير مسبوقة في البلاد، وهو ما أسفر عن مقتل العشرات من الأشخاص ونفوق ملايين الحيوانات. وقالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية في ذلك الوقت إن ارتفاع درجات الحرارة عالميا وهي السبب الرئيس في مثل هاته الحرائق، يرجع إلى انبعاثات غازات الاحتباس الحراري... ومنذ أيام، توفي ستة أشخاص على الأقل في فيضانات نجمت عن أمطار غزيرة غير مسبوقة منذ عقود في شرق أستراليا، لم تتوقف منذ بداية الأسبوع وتتجه جنوبا... فبعد سنوات من الجفاف والحرائق تفاقمت بسبب التغير المناخي، شهد شرق البلاد رطوبة استثنائية ناجمة عن ظاهرة النينيا المناخية الناجمة عن خلل حراري في مياه سطح المحيط الهادئ... وفي إفريقيا أشارت صحيفة «ذا غارديان»، إلى أن إفريقيا تضطر إلى إنفاق مليارات الدولارات سنويًا للتعامل مع أزمة المناخ؛ وهذا يؤدي إلى قلة الاستثمارات ودفعها نحو المزيد من الفقر، وقد حذّر تقرير علمي من عواقب التغيرات المناخية في العالم مع انتشار الفيضانات والجفاف وموجات الحر والعواصف التي تؤثر في أنظمة الغذاء وإمدادات المياه والبنية التحتية؛ وستكون إفريقيا واحدة من أكثر المناطق تضررًا، بالرغم من أنها لم تفعل سوى القليل للتسبب في أزمة المناخ.
زد على ذلك أن البنك الدولي يحذر من أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من بين أكثر الأماكن على الأرض عرضة للخطر نتيجة لارتفاع منسوب مياه البحر، خاصة المناطق الساحلية المنخفضة. كما توقع أن يتعرض عشرات ملايين البشر في المنطقة لضغط نقص المياه بحلول عام 2025.. وشح المياه نتيجة الجفاف سيؤدي بدوره إلى زيادة الضغط على موارد المياه الجوفية وإلى قلة المحاصيل الزراعية، مما سينعكس على اقتصاد هذه الدول.
إن الحرارة في العالم سترتفع بواقع 1.5 درجة مئوية، وستتكرر الموجات الحارة الشديدة كل 10 سنوات وذلك بسبب الاحتباس الحراري العالمي، كما أن الجفاف وهطول الأمطار بغزارة سيصبحان أيضا أكثر تواترا كما يقع في أستراليا. وهذا الكلام الذي نكتبه ليس من وحي الخيال؛ إنما هو مسطر في تقارير علمية جادة لا غبار عليها، كتقرير الأمم المتحدة للسنة الماضية عن الاحتباس الحراري وهو ما جعل الأمين العام للأمم المتحدة السيد أنطونيو غوتيريش في إطار تعليقه على هذا التقرير يقول «إنه إنذار أحمر للبشرية. أجراس الإنذار تصم الآذان: انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الناتجة عن الوقود الأحفوري وإزالة الغابات تخنق كوكبنا».
إن النشاطات البشرية هي التي تتسبب في كل هاته المصائب؛ والعالم لا يتعظ، ولا تنظر الدول إلا إلى مصالحها الخاصة والضيقة.. والمصيبة أن تداعيات أزمة المناخ تصيب دول العالم بأسرها وإن لم تكن طرفا فيها كما هو شأن دول إفريقيا.