أ.د.عثمان بن صالح العامر
الخوف من السلوكيات القلبية الملازمة للوجود البشري، واختلافه بين الناس اختلافاً نسبياً:
- فهو عند البعض يصنف على أنه مرض، وكثيرة هي الأمراض النفسية التي ترجع في النهاية لدى أهل الاختصاص إلى (الخوف).
- وعند آخرين يكاد الخوف يختفي تماماً، وكأنه لا وجود له في الطبيعة البشرية، فهو ليس في قاموسهم اللغوي البتة، صاحبه شخصية متهورة مجنونة، مجازفة، وهذا الصنف من الناس يعرف بالعامية بأنه صاحب (قلب فضيخ).
- والصنف الثالث من البشر من لديه (خوف طبيعي) فهو يخاف حين يكون لهذا السلوك القلبي مبرره وسببه، ولا عجب من خوفنا هذا، وليس هذا مرضاً أو عرضاً فقد أخبر القرآن الكريم عن وجود هذا الخوف وملازمته الجبلية للإنسان، وحكى قصص الأنبياء معه.
- من ناحية ثانية، هناك خوف من الماضي يولد (الحزن)، وخوف من الحاضر يولد (الغم)، وخوف من الآتي ينتج عنه (الهم)، والخوف المستقبلي هذا هو الخوف الذي أصبح اليوم - في اعتقادي الشخصي - الأكثر انتشاراً وشيوعاً لدى البشرية قاطبة ، وذلك ناتج عن كثرة المهددات وتعاظم المنغصات في هذه الحياة.
- فمن خوف مستقبلي على (زوال نعمة الأمن والاستقرار) جراء الحروب التي كثرت في عالم اليوم، وتطورت وسائلها، وتعددت أساليبها، وتنوعت أسبابها ودواعيها، وصار لها مروجون ودعاة، بل محفزون..
- وخوف على (صحة الأجساد وسلامة الأبدان) نتيجة تنوع الأمراض، وسرعة انتشارها وانتقالها، وصعوبة علاج البعض منها، أضف إلى هذا وذاك تلاعب شركات عالمية في صحة الإنسان من أجل كسب المال.
- وخوف (اقتصادي) على لقمة العيش بسبب الصراع المادي الحميم بين الشركات عابرة القارات في ظل الأسواق التجارية المفتوحة، وتبدل أسعار العملات، وتأثر الأسواق العالمية لأي حدث سياسي أو عسكري يحدث في أي بقعة من المعمورة.
- وخوف على (العقائد والأيديولوجيات) نتيجة العالم الافتراضي المفتوح الذي ولد حمولة فكرية تصل في بعض الأطروحات المتطرفة إلى الإلحاد ونفي الرب وجوداً وقدره - تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً - وفي المقابل قد تقود هذا الشاب جماعات متطرفة ومواقع مشبوهة وأفكار مغلوطة إلى أتون معارك وحروب هي في سبيل الشيطان، ينخرط فيها معتقداً يقيناً - للأسف الشديد - أنه عن الحق يجاهد ويكافح ويدافع.
- والخوف الجديد في المجتمعات (الخوف على كياناتنا الأسرية وسلمنا الاجتماعي) نتيجة الصدامية الحقيقية، والتنافس المر بين الجنسين (النساء والرجال) في الوقت الذي كان من المفترض التكامل والتناغم حتى يكون كل طرف (الزوج والزوجة) سكناً للطرف الآخر ، ومرتكز أساس للطمأنينة والاستقرار الأسري، الذي ينشده إنسان الغرب ويتوق لتحققه في مجتمعه الحر! ومن أجل تحقق بناء نفسي وتربوي وفكري لفلذات الأكباد داخل بيت الزوجية الدافئ حناناً وعطفاً، سلامة وأمناً.
- وهناك خوف مستقبلي على قيمنا التي حث عليها ديننا الإسلامي، وتوارثناها في مجتمعنا المحلي أباً عن جد، جراء تبدل العلاقات بيننا من علاقات إنسانية راقية متجردة عن الأهواء والمصالح إلى علاقات براغماتية مصلحية صرفة.
- والخوف الأشد والأنكى الخوف من الله عز وجل من أن يسلبنا ما نحن فيه لسبب أو لآخر، فقد ألفنا في هذا البلد الطيب الطاهر النعم، وتعودنا الأمن والسلام، عشنا وما زلنا نعيش ولله الحمد والفضل والمنة ملوكاً ونحن عوام في ظل قيادة حكيمة خبيرة، عازمة حازمة، جعلت نصب عينيها التمسك بهذا الدين، وتعظيم شعائره، وحماية أهله، وخدمة مقدساته، هدفاً وغاية، أمناً وحماية، إذ إن هناك من يحسدنا على ما نحن فيه، وينظر إلينا نظرة حقد وغل ، ينتظر الساعة التي يستطيع بها الإغارة علينا وأخذ ما في يدينا.
- فهو (اقتصادياً) يعتقد أنه أحق منا بما منّ الله به علينا.
- وهو (عقائدياً) يتوق إلى أن يكون هو المتحكم في المقدسات، وتحت يده الحرمان الشريفان، خاب وخسئ.
- وهو (سياسياً) يحلم بإعادة الخلافة التي مركزها في الأرض قاطبة مملكتنا الغالية المملكة العربية السعودية.
ولذا إزاء ذلك كله كان لزامنا علينا:
- الوعي بالمهددات والمخاطر.
- والتسلح بالإيمان والثقة والتفاؤل.
- والمشاركة الحقيقية في نزع فتيل الخوف من مجتمعنا، حماة للعقيدة وحراساً للنعم، وجنوداً للوطن، ودمت عزيزاً يا وطني، وإلى لقاء والسلام.