د. فيصل صفوق البشير المرشد
لم أعرفه ولم أقابله إلا بعد أربع سنوات من سماعي اسمه، حين كلَّمه أحد معارفه لمساعدتي حين تعثر انضمامي للبعثة التعليمية في الولايات المتحدة الأمريكية، لم أتعامل معه لأني كنت على اتصال بالمستشار في البعثة الدكتور عمر أبو خضرة - رحمه الله - والذي كان يرأس البعثة، راجياً أن يساعدني للانضمام.
وبعد أن أفهمني د. عمر ألا جدوى من الاتصال به حولت اتصالاتي وما أكثرها إليه، إلى المرحوم عبد العزيز، والذي كان صبوراً ومشجعاً لي، ولم أسمع نبرة حادة في صوته توحي بأنه ملَّ من كثرة اتصالاتي. وكنت أشعر بعد كل اتصال به بهدوء وطمأنينة في تلك الفترة المخيفة لي. كان يردد على سمعي أكثر الأحيان «ستفرج بعون الله»، وفعلاً فُرجت حين قرأ البطل الشهيد الملك فيصل -رحمه الله- استغاثتي في جريدة القصيم.
وبعد انفراج محنتي انتقلت من جامعة هوارد في العاصمة واشنطن إلى جامعة أورغون في الشمال الغربي من البلاد على ساحل المحيط الهادي. وحين تأكدت أنني سأتخرج مبكراً بشهادة البكالوريوس في الاقتصاد؛ لأنني كنت مواصلاً دراستي في فصول الصيف، بدأت أخطط لمواصلة دراستي للحصول على الماجستير في اختصاصي الاقتصاد، مع علمي أن تلك الخطة مخالفة لنظام الابتعاث، وكانت حجتي لراحة الضمير أن دولتي لم تصرف علي المدة الطويلة؛ نظراً لأنني التحقت بالبعثة بعد مضي سنتين وهذا ما حصل.
وفي مارس 1966 تخرجت بالبكالوريوس وجمعت حوالي ثلثي الساعات المطلوبة لشهادة الماجستير. وطبعا فرحت فرحاً جماً وأرسلت كل الوثائق (إملاء الاباد) إلى البعثة في نيويورك، متوقعاً مكافأة أو كلمة شكر على الأقل على ما فعلت، وكانت صدمتي كبيرة حين وصلني رد المستشار، فعوضاً عما توقعت، کان تهديداً وعدم تصديق ما أرسلت من الجامعة لتوثيق إنجازاتي التعليمية، وأُعطيت شهراً للعودة إلى المملكة كحامل بكالوريوس فقط، فرفضت وبعد مضي شهر قطع المستشار بعثتي.
وكان المرحوم عبد العزيز أول من هنأني وشجعني للمضي في خطتي للحصول على الماجستير قبل العودة إلى المملكة بعد أن فقد الأمل في إقناع المستشار بألا يقطع بعثتي. وبعد إعادة بعثتي (وهي قصة تستحق الرواية لكن ليس هذا مكانها المناسب) وفي 12 سبتمبر 1966 تخرجت بالماجستير، وكان كالعادة المرحوم الأب الروحي عبد العزيز أول المهنئين (إملاء أيباد).
وبعدها مررت بمقر البعثة خصيصاً للسلام عليه ومعرفته وجهاً لوجه لأول مرة في حياتي، ويا لجمال الملتقى حين قام من مكان مقعده وحضتني وهو يردد فخره بما أنجزت. وقال لي إن له طلباً يأمل ألا أرفضه فاحترت. وحين ذكره وهو مرافقته للسلام على المستشار في مكتبه رفضت رفضاً شديداً للسلام عليه؛ لأن ذلك الإنسان كذَّبني وتقريباً لم يساعدني بشيء. وألح علي الغالي المرحوم عبد العزيز أن من أنبل صفات الرجولة السماح والترفع عن الأحقاد، وهكذا رافقته وسلمت على المستشار الذي هنأني واعتذر عما بدر منه في الماضي.
رحم الله عبد العزيز المنقور الأب الروحي لكل طالب وطالبة درس في الولايات المتحدة الأمريكية في فترة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته و(إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ).