عبدالوهاب الفايز
الأسبوع الماضي كانت الدعوة إلى ضرورة تبني وزارة الخارجية لجهد منظّم تعمل عليه بالتعاون مع الأجهزة الحكومية والأهلية لتطوير (ثقافة التواصل الشعبي) مع السفارات والمجتمع الدبلوماسي. ربما من الأفضل العودة إلى هذا الموضوع لاقتراح برامج تساعد على بلورة خطة عمل تنفيذية تخدم الهدف الوطني الذي نتطلع إليه.
الهدف الأساسي لهذه الخطة هو تحفيز السفارات والممثليات الدبلوماسية العاملة في المملكة على تنظيم مناسباتها واحتفالاتها التي تستهدف التواصل الشعبي الثقافي والفني في القاعات المخصصة للمناسبات العامة، سواء في الفنادق أو في غيرها، وفق ضوابط وإجراءات منظمة. هذا سوف يخدم أهدافها إذا كان الهدف نبيل ويسعى لتطوير العلاقة الإيجابية بين الشعوب والدول، فلتكن هذه الفعاليات على المكشوف وليس خلف الأبواب المغلقة بمقرات البعثات وسكن أعضائها. وهذا الوضع قد يستدعي العمل على الحد من مناسبات الدعوات الخاصة الانتقائية الليلية التي لا تصب في تطوير العلاقات مع الشعوب!
هذا التوجه السليم الإيجابي لبناء الجسور لم نخترعه أو نفرضه، بل هو المسار الطبيعي الذي يتفق مع الأعراف الدبلوماسية والقوانين الدولية المنظمة لعمل البعثات الدبلوماسية، والتي عليها احترام سيادة الدول المُعتمَدة لديها، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وهذا أمر أكدته كافة الاتفاقيات الدولية ذات العلاقة.
فاتفاقية هافانا عن الموظفين الدبلوماسيين المبرمة 1928 نصت في المادة (12) على (لا يجوز تدخل الموظفين الدبلوماسيين في الشؤون الداخلية أو السياسة الخارجية للدولة التي يمارسون فيها أعمالهم). كما نصت اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية 1961 في الفقرة (1) من المادة (41) على (دون الإخلال بالمزايا والحصانات المقرة لهم، على الأشخاص الذين يستفيدون من هذه المزايا والحصانات واجب احترام قوانين ولوائح الدولة المعتمد لديها، كما أن عليهم واجب عدم التدخل في الشؤون الداخلية لهذه الدولة).
هذه المحددات الدولية واضحة وتشمل جميع التفاعلات الشعبية. وهذا يدعم ويُسهل بناء آليات عمل البرنامج الذي نقترحه لتطوير ثقافة التواصل الشعبي حتى يرتب العلاقة بيننا وبين أصدقاء بلادنا بحيث تكون علاقاتنا قائمة على مرتكزات واضحة وشفافة. في هذا السياق الإيجابي لتنمية العلاقات لن يكون مستغرباً أن نشترط تنظيم المناسبات الخاصة بالسفارات وجميع الممثليات الدولية في أماكن عامة تسهّل وتيسّر وصول الناس إليها.
كما أن هذا التوجه سوف يكون داعماً ومشجعاً لقطاع الترفيه وقطاع السياحة والفنادق. ويخدم أيضاً تنمية صناعة المناسبات والاحتفالات في المملكة الذي نسعى لتطويرها للاستفادة منها لتوسيع فرص العمل التجاري وتوليد الوظائف. وأيضاً يتيح للسفارات تقديم الدعوات العامة المفتوحة، وهذا يخدم ويعزِّز التواصل بين الشعب السعودي وبين الدول الصديقة.
من حقنا أن نتدخل لترتيب حضور هذه المناسبات، ومن حقنا وضع الشروط التي تضمن حماية الناس، بالذات (المراهقون والشباب) وحماية أمننا الوطني. هذا حق تمارسه جميع الدول بالذات الدول الغربية. فهذه فرضت بيئة متشددة على سفاراتنا ومواطنينا بعد أحداث (11 سبتمبر)، وراقبت بشده أعمالنا الإنسانية والإغاثية ومدارسنا بالخارج، وتشدَّدت علينا في التأشيرات وكثّفت التفتيش والفحص المتعدّد في المطارات، وتعرض بعض السعوديين من مختلف الأعمار إلى الإهانة والتعطيل لساعات في المطارات. حينئذٍ صبرنا وتفهمنا الحق السيادي للدول الصديقة لحماية أمنها وسلامة مواطنيها.
ومن المؤسسات التي يجب أن يكون لها دور رئيسي في هذا المشروع هو (معهد الأمير سعود الفيصل للدراسات الدبلوماسية). نتمنى أن يكون أكثر مبادرة ويخرج من حالة السكون والتكرار في عمله الذي لا يتناسب مع حجم ومكانة بلادنا الدولية، ولا يواكب الدور السيادي الكبير لوزارة الخارجية، ولا حتى يليق مع اسم الشخص الكبير الذي يحمل المعهد اسمه.
نتمنى دعم المعهد وتعزيز إمكاناته المالية والبشرية حتى يقوم بدوره الحيوي لخدمة بلادنا، ويكون قادرًا للقيام بهذا المشروع الذي نقترحه. المعهد يتوجب عليه تنظيم الدورات وورش العمل التي نحتاجها.. والتي أشرنا لها في المقال الماضي. لقد ذكرنا أننا إزاء تطورات جديدة في التواصل الدولي نتيجة تطور وسائط التواصل الاجتماعي، ولبلادنا مشروع طموح لتعميق وتوسيع تفاعلاتها الدولية في مختلف المجالات مثل برامج ومبادرات التنشيط السياحي والترفيهي. كل هذه أوجدت بيئة واسعة لتواصل السعوديين مع المقيمين بيننا من الجاليات المختلفة، ومن الزوار والسياح الذين نعتز ونسعد بوجودهم بيننا.
أيضاً نحتاج إلى الدورات وورش العمل التي تساعدنا على بناء محددات للتواصل الثقافي تأخذ في الاعتبار تعريفاً دقيقاً وعملياً لطرق التعامل المثلى للتعامل مع الدبلوماسيين. نحتاج إلى ورش العمل التي تناقش وضع الضوابط والحدود المقبولة والمتعارف عليها للتعامل الإنساني والأخلاقي مع الدبلوماسيين تقدِّم لرجال الأعمال والإعلاميين وكتَّاب الرأي ورواد الثقافة والفنون والفاعلين بالمجتمع.
أيضاً نحتاج إلى تصميم الحقائب التدريبية حول الجوانب الإيجابية المثلى للتعامل مع ما يُطرح في التواصل الاجتماعي. هذا دور حيوي وضروري للمعهد ولن يجد صعوبة في بناء هذا المشروع، فلدينا جيل من السفراء والدبلوماسيين السعوديين المحترفين الذين يستطيعون إثراء هذا البرنامج.