أحمد المغلوث
يوم الخميس الماضي نشرت تغريدة في حسابي بتويتر تتضمن لوحة من وحي «سوق الجرار» (المصاخن) كما يطلق عليه في أحساء الخير. وهو سوق كان في الماضي حتى اليوم يتنقل من مدينة إلى أخرى حسب الأسواق الأسبوعية ولقد اتصل بي البعض ممن يحسنون الظن بشخصي المتواضع أن أتوسع قي المعلومات التي نشرتها خاصة أنني ذكرت أن الأحساء كانت وما زالت موطن الحضارات لا في أرضنا الطيبة فحسب وإنما في العالم وكما هو معروف لدى خبراء التاريخ وباحثيه أن كثيراً مما هو موجود في المتاحف داخل المملكة وخارجها من (لقى) وقطع فخارية وجدت في أماكن متفرقة في الأحساء في الجرها على مسافة قريبة من العقير وكانت موطن الكنعانيين الأول قبل هجرتهم إلى شمال جزيرة العرب حاملين معهم فسائل النخيل وصناعاتهم التقليدية ومن بينها صناعة الفخار. ويرجع تاريخ الفخار في الأحساء إلى حضارات قديمة جداً كانت موجودة قبل الميلاد يؤكد ذلك ما وجده الباحثون وعلماء الآثار والتاريخ من بقايا من قطع الجرار. وتوجد في متاحف المملكة في الرياض والدمام والأحساء بعض نماذج من (اللقى).. هذا وكانت «الجرار» الأحسائية ذات الفوهة الواسعة تستعمل لحفظ التمر وكذلك بعض من أنواع الطعام والسمن.. وبالتالي كانت تحملها قوافل الجمال لتنقلها إلى أقاليم المملكة بل وكانت هذه القوافل تنقلها أيضاً إلى ميناء «العقير» أقدم ميناء في الخليج حيث تنتظرها سفن التجار القادمين من الدول المجاورة لينقلوها إلى بلادهم بعد دفع ثمنها إلى أصحابها.
وفيما مضى من زمن وحسب ما شاهدته وأنا صغير كان «سوق المصاخن» له حضوره الباذخ في الأسواق الشعبية في مدن وبلدات الأحساء وذلك لإقبال المتسوقين والمتسوقات عليه لشراء احتياجاتهم من الأواني الفخارية وهي تشمل أنواعاً مختلفة من المنتجات مثل المباخر والأكواب وحتى المرشات التي يوضع بداخلها دهن الورد الحساوي الشهير. والجرار والحب الذي كان ثلاجة الماضي حيث يعتبر الأفضل لحفظ الماء ومن بين المنتجات «التنور» الذي يستعمل لإنتاج الخبز الحساوي الأحمر ولا يمكن أن ننسى الصحون الفخارية لوضع الطعام قبل أن تصل إلى الأسواق الصحون المعدنية.. وزاد من الإقبال عليها من قبل المستهلكين رخص ثمنها.. وقبل أربعة عقود كنت ومن ضمن كتاباتي وتقارير في الزميلة «الرياض» التقيت بالمرحوم علي الغراش رحمه الله صاحب أقدم مصنع لإنتاج الجرار في الأحساء فسألته عن نوعية خامة الرمل أو الطين الذي يستخدمه في عملية الإنتاج وأذكر أنه أشار إلى أهمية أن يكون الرمل أو الطين من النوع الأحمر وعادة ما نجلبه من أماكن مختلفة من أهمها أن تكون التربة التي نأخذ منها الرمل لم يسبق أن «داسها» أحد ونقوم بطحنها وضربها ونضعها في الماء لعدة ساعات. وبعد ذلك نقوم بتنفيذ ما نريد من إنتاجه من منتجات مختلفة حسب المطلوب لدى المترددين علينا أو من خلال الوسطاء الذي يشترون منا مجموعة من المنتجات ويقومون بدورهم ببيعها في الأسواق الشعبية.. وفي هذا الزمن تراجعت صناعة الفخار في الأحساء ولم يتبق من العاملين فيها إلا أفراد من أبناء وأحفاد أسرة «الغراش» من سكان بلدة القارة.. ولكن هناك محاولات جادة يقوم بها أحد المراكز الخاصة في تنمية وتدريب بعض عشاق هذا الفن العالمي «فن الفخار أو الخزف». فأنت تجد منتجات هذا الفن في أشهر القصور العالمية في قصور حكومية أو أصحاب ثروات. فمنتجات فنون الخزف بعضها خاصة التي تعود لحقب تاريخية قديمة تباع بالملايين وتحظى بعرضها في مزادات عالمية.