بعد نشر مقالتنا في صفحة الوراق بصحيفة الجزيرة بتاريخ 14-4-1439هـ، وعنوان (بئر الوليدي بمحافظة مرات وخطأ نسبتها إلى الصحابي الجليل خالد بن الوليد)، شغّبَ علينا بعض المتطفّلين على التاريخ وشنوا هجوماً على شخصي بلغة الشتائم والتقريع (كويتب، مجنون، غبي، حاقد... الخ)، بدلاً من مناقشة ما أوردته من معلومات قد تكون حقائق بالنسبة لهم، لو تعاملوا معها بحيادية وبأسلوب البحث العلمي، وفي الأمس القريب جمعني مجلس ببعض الإخوة من أهل مرات وتم التطرق لمقالتي السابقة - ومع قلة بضاعتهم في مجال التاريخ - لم أجد منهم إلا إصراراً على أن البئر حفرها خالد بن الوليد، فبعد أن أعيتهم الحجة والبرهان في ذكر المصادر والمراجع التاريخية أحالوني إلى كتاب (لمحات من تاريخ مرات) للأستاذ عبد الله بن عبد العزيز الضويحي محتجين به عليّ، ولما وجدتُ أن الأمر قد اتسع رأيت من الواجب عليّ الرد على ما ذكره الضويحي بشيء من التفصيل؛ كونه أول من كتب هذا الكلام ولم يسبقه إليه أحد من العالمين سواء المتقدمين أو المتأخرين، وسوف أورد ما ذكره الضويحي بسياقه على طوله حتى لا يحتج أحد عليّ.
يقول الضويحي في كتابه (لمحات من تاريخ مرات) عن بئر الوليدي: «مكانها في بلدة مرات القديمة، يسميها الأهالي (بئر الوليدي) نسبة إلى الصحابي خالد بن الوليد - رضي الله عنه -، وذُكر أن خالد بن الوليد نزل في مرات أيام حروب الردة وكان متجهاً بجيشه إلى اليمامة لمحاربة المرتدين ومسيلمة الكذاب، فعسكر فيها وقتاً من الزمن كي تتجمع جيوشه، حيث وجد في ماء (غدير كميت) ما يجعله يستقر ويسقون خيولهم ويشربون منها، ولكن ماء الغدير شح عليهم وأوشك على الانتهاء للكثرة العددية للجيوش الموجودة في مرات، فأمر رجاله بحفر هذه البئر وتم ذلك في وقته، وقد ذكر الحموي في كتابه معجم البلدان مرور خالد بن الوليد - رضي الله عنه - بمرات..) أ هـ، [لمحات من تاريخ مرات ص 616].
وفي مقطع له منشور على موقع اليوتيوب بعنوان (بئر الوليدي -مرات - المؤرخ الضويحي) قال :» بالنسبة للبئر هذا بئر يسمونه بئر خالد بن الوليد نسبة إلى الصحابي خالد بن الوليد، يقال أو تواترت الأخبار على أن خالد بن الوليد أيام حروب الردة في اليمامة مرَّ على مدينة مرات، وذكر ذلك الحموي في كتابه معجم البلدان وجاء بجيوشه إلى مرات وعسكر عند ماء إللي - كذا باللفظ العامي - هو غدير كميت، وغدير كميت هذا عبارة عن بركة كبيرة على طريق الحاج القديم ومساحتها كبيرة، فبعد ما جلسوا مدة على هذه البركة قل الماء عليهم أو شح الماء، فأمر خالد بن الوليد بحفر بئر مساندة للغدير حفروا هذه البئر يقال أو تواترت الأخبار هذه البئر حفروها عندما شح عليهم الماء وشربوا منها ثم بعد ذلك واصلوا مسيرهم إلى اليمامة « أهـ.
ولي على ما ذكره الضويحي عدة وقفات:
أولاً : يستنتج من كلامه هذا أنه استند إلى كتاب معجم البلدان لياقوت الحموي إلا أنه بعد الرجوع إلى الكتاب لم نجد ذكرًا لخالد بن الوليد أصلاً فضلاً عن حفره للبئر، فقد قال الحموي عن بلدة مرات :» مَرْأةُ: بالفتح بلفظ المرأة من النساء، قرية بني امرئ القيس بن زيد مناة بن تميم باليمامة، سمّيت بشطر اسم امرئ القيس بينها وبين ذات غِسل مرحلة على طريق النباج، ولما قتل مسيلمة وصالح مُجّاعة خالداً على اليمامة لم تدخل مرأة في الصلح فسُبي أهلها وسكنها حينئذ بنو امرئ القيس بن زيد بن مناة بن تميم، فعمروا ما والاها حتى غلبوا عليها» أهـ [معجم البلدان ج 4 ص 241]، فأين كلام الحموي عن مرور خالد بن الوليد بمرات وعن حفر البئر بها..؟؟!!
ثانياً : كلام الضويحي يشوبه نوع من الاضطراب مع تردد وحيرة وعدم الجزم بصحة ما ذكر، فمرة يقول «يسمونها الأهالي بئر الوليدي نسبة إلى الصحابي خالد بن الوليد» وأخرى يقول « وذُكر أن خالد بن الوليد نزل في مرات أيام حروب الردة»، وثالثة يقول (يقال أو تواترت الأخبار على أن خالد بن الوليد أيام حروب الردة في اليمامة مرَّ على مدينة مرات.. الخ)، وهنا يحق لنا أن نتساءل من الذي ذكر أن خالداً بن الوليد مرّ على مرات وحفر البئر بها؟ وأين هذا التواتر؟ الأمر الآخر كلمة (ذُكِرَ) بالضم فعل مبني للمجهول، ويعطي دلالة على أن هذا الخبر فيه شيء من الضعف وقد يكون غير صحيح ويسمى في اللغة أسلوب التضعيف أو التمريض، إضافة إلى أن الضويحي لم يعز للمصادر التي نقل منها، هذا إذا سلمنا - جدلاً - أن هناك مصادر أو مراجع رجع إليها.
ثالثاً : كل المصادر والمراجع التاريخية سواء للمتقدمين أو المتأخرين التي تكلمت عن حروب الردة لم تذكر أن خالد بن الوليد مرّ بمدينة مرات كتاريخ الطبري وسير أعلام النبلاء، والبداية والنهاية، وتاريخ ابن غنام وابن بشر والفاخري وابن عيسى وغيرهم، والمعاجم الجغرافية كصحيح الأخبار عما في بلاد العرب من الآثار ومعجم اليمامة، والمجاز بين اليمامة الحجاز، حتى إن كتاب الحموي حينما تحدث عن مرات أشار هذه فقط الإشارة: (لم تدخل مرأة في الصلح)، فكيف نلوي عنق هذه الإشارة التي لا تبني أساساً ولا تكيف قاعدة ونؤلف عليها قصصًا من نسج الخيال والوهم وندعي زوراً أن خالد بن الوليد مرَّ بمرات وعسكر بجيشه فيها وشرب ماء غدير كميت (الجفرة) حتى انتهى، ثم أمر بحفر بئر الوليدي !!!.
رابعاً : بعض من ناقشتهم من أهل مرات ذكروا أن هذا الأمر مشاع ومتواتر ويتناقله أهل المحافظة مشافهة !! فلو آمنا بهذا الكلام، فكيف لم تُدوّن هذه الحادثة والتي مضى عليها أكثر من 1400 عام، ولم يذكرها المؤرخون الذين أفاضوا وبسطوا القول في ذكر حروب الردة....؟!!.
خامساً : لو سلمنا جدلاً بأن البئر حفرها خالد بن الوليد فهذا يعني أنها في الغالب ستكون وقفاً عاماً للمسلمين، إلا أنها في الحقيقة والواقع مملوك جزء منها لوالد جدتي لأمي الشيخ/ عبد الرحمن بن محمد المجلي - رحمه الله - وكانت البئر قديماً تسقي نخل (بنبان) الواقع في الجنوب الغربي من البئر حتى حدود نخل الحفصية، وتسقي أيضاً نخل الشريقي الواقع في الشمال الغربي من البئر، وربما كانت تسقي حائط حسين من جهة الشمال للبئر، (وقد ذكر ذلك الضويحي في كتابه (لمحات من تاريخ مرات) صفحة (616) حيث قال : وإلى وقت قريب كانت تسقي بعض مزارع محيطة بها)، فيكف ببئر يحفرها صحابي ثم تكون مملوكة لبعض أهل البلدة وتسقي نخيلهم..؟؟
سادساً : يوجد بالقرب من مرات بئر جاهلية تسمى (صداء) ماؤها عذب وتبعد عنها ما يقارب (10) كيلو مترات، وفي اعتقادي أن هذه البئر تقع على طريق الحاج إلى مكة قديماً أو قريباً منه فكيف لخالد بن الوليد وجيشه أن يجهل موقعها - هذا لو سلمنا جدلاً بمروره بمرات - وتجعله يرهق الجيش بحفر بئر للتزود بالماء فقط وليس للإقامة.
سابعاً : كل الشواهد والمعطيات تدل على أن البئر حفرت للاستفادة منها في مجال الزراعة كون أغلب مزارع مرات تتركز ناحية الغرب والجنوب فمن ناحية الغرب يوجد بنبان وبعده الحفصية تليها الرويضة والرفيعة، ومن ناحية الشمال الغربي نخل الشريقي، أما من ناحية الجنوب - خارج أسوار البلدة - فيوجد غالبية نخيل مرات، علاوة على ذلك اتساع فوهة البئر يعطي دلالة على أنها تستخدم لسقيا النخيل بالطريقة التقليدية القديمة في ذلك الوقت (السواني).
وختاماً يعيبون عليّ أن صححت معلومة تاريخية خاطئة مصدرها (الوهم)!! إذن هم يدعون إلى إهمال التاريخ وأن نكون في كتاباتنا وتأليفنا مدلسين ومخفين للحقائق!! أنا لا أنكر حب أهل مرات لبلدتهم ومحاولة الرفع من شأنها لكن لا يكون ذلك على حساب التاريخ وأن نخدع العوام والأجيال القادمة بكلام مصدره الوهم والعاطفة، والحق الذي لا ريب فيه ولا شك أن من قال بمرور خالد بن الوليد بمرات وحفر بئر بها فقد أخطأ ودلس وضحك على عوام الناس، وادعى دعوى باطلة ليس لها زمام ولا خطام، ولو أن بئر الوليدي تنطق لأقسمت وحلفت بالأيمان المغلظة أن خالد بن الوليد لم يمر ببلدة مرات ولم يحفر البئر.
والله الموفق،،،،
** **
بقلم: عبدالرحمن بن محمد زيد العرفج - (باحث في التاريخ الحديث لشبه الجزيرة العربية)
تويتر: z_arfaj