التحية طقوس وعادات متعددة الألوان والأشكال واللغات، تختلف حسب اختلاف الثقافة والمجتمع، وهي سلوك ثقافي اجتماعي تواصلي تترجم مشاعر وسلوكيات تتعلق بالترحيب والتواصل. التحية معناها في اللغة الدعاء بالحياة، وكذلك كلمة «حيواء» أي اعط من أمامك شيئا من الحياة المستقرة الآمنة المطمئنة، فالحياة بدون أمن واطمئنان ليست حياة سعيدة.
التحية هي السلام والترحيب، ورغم أنها كلمات أو حركات بسيطة لا تتطلب مزيداً من الوقت أو الجهد، إلا تؤدي إلى المصالحة والمحبة، تزرع بذرة الحب والتآلف في نفوس الناس، وتصفو القلوب من الحسد والحقد والاحتقار. ليست التحية مجرّد كلمة تقال أو حركة تجسَّد وإنما هي سلوك ثقافي يعبّر عن نمط عيش ومبادئ وقيم أخلاقية.
التحية أساس من أسس التواصل بين الناس، لها دور اجتماعي أخلاقي يسهم في بناء وحدة الأفراد داخل المجتمع ومن ثمة تماسك بنيته ومنظومته الأخلاقية. التحية هي رسالة لنشر الودّ والسلم والخير وتحقيق التواصل بين الناس، وإن اختلفت في عباراتها وطرقها فإنّ هدفها يظلّ واحدا وهو التواصل بما يتضمّنه من رغبة في تحقيق السلام والخير وهو من أهمّ المبادئ الإنسانية.
إن الإسلام دين السلام والمودة، وظهر ذلك في التحية الخاصة بالإسلام، حيث أوصانا الرسول صلى الله عليه وسلم بإفشاء السلام والنطق بتحية الإسلام، تحتوي التحية الإسلامية «السلام عليكم» على حمولة دينية واجتماعية قوية، كما أنها تمثل دلالة رمزية كبيرة عند المسلمين فيما بينهم، فالإسلام يريد تقوية الروابط الاجتماعية، ويحرص على نشر الأمان في أوساط المجتمعات الإسلامية.
التحية في الإسلام تعني السلام والدعوة إلى الخير، والسلام أحد المبادئ التي عمّق الإسلام جذورها في نفوس المسلمين، فأصبحت جزءاً من كيانهم ومن عقائدهم، تعتمد في كل اللغات التي ينتمي إليها المسلمون في كل مكان من العالم، كما أنها قلما تحتاج إلى توضيح إضافي، فالصيني المسلم كما الإفريقي والهندي والعربي المسلم يفهم دونما سابق شرح ما معنى جملة «السلام عليكم».
وللتحية أهمية كبيرة في الإسلام، ترتبط بالسلم والسلام الذي يمثل أهمّ القيم الإنسانية، وهي رمز للتواصل المتبادل بين الناس، تدلّ على تواصل الحياة، لقد حثّ الإسلام على إلقاء التحية وإفشاء السلام لما له من آثار إيجابية على العلاقات الاجتماعية، تحمل تحيّة الإسلام في طياتها الطمأنينة وتبعث الأمان في نفوس الآخرين، وتدعو إلى السلام في المجتمع.
إن التحية التي يتبادلها الناس فيما بينهم، هي مفتاح يفتح مغالق القلوب فيهم، وأشعة دافئة تذيب الثلج وتدفع الضباب الذي بينهم، لذا كانت عرفا ملتزما في مختلف الأمم والشعوب، تولد التحية المحبة والألفة، وترتكز على التسامح الفطري، وتنشر الألفة وتزيل الغلّ والحقد من النفوس.
كان من عادة العرب، إذا لقى بعضهم بعضا أن يقولوا على سبيل المؤدة «حياكم الله» فلما جاء الإسلام أبدل ذلك بالسلام والأمان.علم الله بها أن يردوا على المسلم بأحسن من سلامه وبما يماثله ليبطل ما كان بين الجاهلية من تفاوت السادة والدهماء، وتكون التحية أحسن بزيادة المعنى، فالتحية نوع من الشفاعة الحسنة لأنها تقرب الناس والقلوب وتنشر المحبة وتعزز أواصر المؤدة وتبادل الإحسان وتقلع حشائش الأحقاد.
** **
الأستاذ المساعد، قسم اللغة العربية وآدابها - جامعة عالية،كولكاتا - الهند