عادل علي جودة
هكذا هي الحال دومًا؛ إذا ما استشعر المرء جمال حاضره، وراح يتأمل محطاته وبصماته، يجد نفسه محلقًا في ما استطاع إليه سبيلا من آفاق تاريخ زاخر بالأحداث، والواقع أنني منذ اللحظة الأولى التي تُوج فيها اليوم الثاني والعشرون من فبراير/شباط ليكون يومًا لذكرى التأسيس من كل عام ابتداءً من هذا العام 2022م، رحت أسبر أغوار الماضي في محاولة لتتبع تلك المحطات واحدة تلو أخرى، فوجدت نفسي أقف أمام حقبة زمنية طويلة تمتد إلى ما يزيد على ثلاثة قرون؛ أي ثلاثمائة عام مليئة بأحداث تبعث على الفخر والاعتزاز؛ حيث كانت البداية مع الإمام محمد بن سعود الذي أسس «الدولة السعودية الأولى» الممتدة من عام 1727م حتى عام 1818م، ثم مع الإمام تركي بن عبدالله بن محمد آل سعود الذي أسس «الدولة السعودية الثانية» الممتدة من عام 1824م إلى عام 1891م، ومن ثم مع العام 1902م؛ عام انتصار الحق على الباطل، واسترداد الملك لأصحابه، واستعادة الأمن والأمان لهذه البقعة المشرقة بأول بيت وضع للناس، على يد عبقرية هذا الزمان؛ الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود؛ الذي أسس «الدولة السعودية الثالثة»؛ «المملكة العربية السعودية»، التي أكون قد أمضيتُ في رحابها وبين أهلها حتى هذا اليوم خمسة وأربعين عامًا مرّت سريعًا كما لو أنها فقط بضع سنوات وهي في الواقع تقارب النصف قرن من الزمان؛ والتي شهدتْ ولادة أبنائي الأربعة وأحفادي الأربعة، والتي فتحت أمامنا أبواب مدارسها، وجامعاتها، ومستشفياتها، وحدائقها، وكافة مرافقها، إنها «المملكة العربية السعودية» التي أراد الله سبحانه وتعالى أن تكون امتدادًا لدعوة سيدنا إبراهيم على رسولنا الكريم وعليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، {رَبِّ اجْعَلْ هََذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ..} [سورة البقرة؛ الآية 126].
والواقع أنني يوم الثلاثاء 22 فبراير/شباط 2022م، شهدتُ احتفاءً استثنائيًا بما اتسم به من جمال أخاذ جسّد لي الكثير من مشاهد ما اطلعت عليه معلومات، إذ استطاع الشعب السعودي الأصيل أن يرسم أمام أنظارنا معالم مذهلة لإرث تراثي عتيق في هذا اليوم الذي أراه يمثل حلقة وصل مهمة بين ماضٍ تليد وحاضرٍ مجيد، لقد حملَنا الاحتفاء السعودي بيوم التأسيس على أجنحة البهاء والصفاء إلى ثلاثة قرون خلت، فشهدنا شيئًا من مظاهر الناس وثقافتهم وموروثهم في تلك الأيام؛ شهدنا نساء اليوم يتحلين بلباس الماضي بكل ما فيه من حشمة وجمال، وشهدنا رجال اليوم يمتطون صهوات الجياد بلباس الأمس بكل ما فيه من أنفة وشموخ، إنه يوم التأسيس لهذا الكيان العربي الإسلامي الغالي على القلب والفكر والروح؛ «المملكة العربية السعودية» بما تمثله من مكانة اجتماعية عالية، وثقل سياسي عظيم، وثراء تراثي لافت، وواحة إنسانية تشكل حضنًا دافئًا للإنسان حيثما كان، وحضارة عامرة بإنجازات جعلت من «المملكة العربية السعودية» محط أنظار قادة الفكر، والسياسة، والثقافة، والأدب.
إنه يوم التأسيس الذي يستذكر ذكريات الماضي بكل ما حملته من متاعب وعقبات، وبكل ما تحقق فيها من بصمات وإنجازات، وكم هو لافت هذا التاريخ (22/02/2022م) المميز والعصي على النسيان بوصفه توثيقًا لانطلاقة احتفاء استثنائي بمناسبة عظيمة.
وإني إذ أبرق بتهنئتي القلبية المجللة بأنفاس الامتنان والعرفان لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، ولولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، وللشعب السعودي الحبيب، بهذه المناسبة العظيمة، لأرفع الأكف سائلا الله سبحانه وتعالى لهذه الديار المزيد من الرقي والازدهار، ولقيادتها الحكيمة المزيد من التوفيق والسداد، ولحكومتها الرشيدة المزيد من الهُدى والصواب، ولشعبها النبيل المزيد من الرخاء والأمان؛ اللهم آمين يا رب العالمين.
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد ألا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
** **
- عضو اتحاد الكتاب والأدباء الأردنيين