د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
تشغل اليوم قضية تغير المناخ وارتفاع درجات الحرارة العالم بفعل تداعياتها على الاقتصاديات العالمية الذي يقود إلى احتمال ارتفاع منسوب مياه البحر نتيجة ذوبان الجليد وبشكل خاص في المناطق القطبية، نتيجة ما يحدثه الاحتباس الحراري كما يعتقد كثير من العلماء الذي يؤثر على المنظومة الإيكولوجية بشكل كامل خصوصًا مع فشل الحكومات وبشكل خاص في الدول الفقيرة أو التي تعاني من الحروب.
حيث يؤكد إدوارد ويلسون عالم الأحياء الأمريكي أن تلك التغيرات المناخية مرتبطة أصلاً بالبيئة، فيما تؤكد دراسات أن الانبعاثات الغازية الناتجة عن النشاط البشري لاستخدام الطاقة أدت إلى احتباس حراري غير مسبوق، أثرت على كوكب الأرض، فيما يعرف العلماء أن تغير مؤثر وطويل المدى يحدث لمنطقة معينة في معدل حالة الطقس، والتي تشمل درجات الحرارة ومعدل تساقط الأمطار وحالة الرياح، أيضًا تحدث بسبب العمليات الديناميكية للأرض كالبراكين، أو بسبب قوى خارجية كالتغير في شدة أشعة الشمس، بجانب نشاط الإنسان، ولكنه ليس الوحيد كما يتم الترويج له من قبل جماعات البيئة والسياسيين.
أثارت مشكلة التغير المناخي المجتمع الدولي، وأثارت اهتمامه، فعقدت مجموعة من القمم العالمية، منها قمة الأمم المتحدة لتغير المناخ في بالي بإندونيسيا في بالي إحدى الدول المهددة بفعل التغير المناخي عام 2007، تبعها قمة كوبنهاجن 2009، ثم قمة باريس 2015، وجلاسكو 2021، ورغم أن الحكومات قدمت في مؤتمر باريس للمناخ 2015 مجموعة من التعهدات لمواجهة هذه الأزمة، إلا أنه لم يتم الالتزام بهذه التعهدات، وكان تركيزها على نقل الاستثمارات من التنقيب عن الوقود الأحفوري إلى الطاقة المتجددة.
لكن ما حدث أن الطاقة المتجددة لم تحقق مطالبهم، فارتفعت أسعار الطاقة، والآن يلامس النفط 100 دولار وسط مخاوف بشأن الامدادات، وبدأت دول أوربا تعتبر الغاز والطاقة النووية خارج دائرة الوقود الأحفوري، وأزمة أوكرانيا تعمق أزمة الطاقة في أوربا، وهناك قدرة محدودة للدول المصدرة للغاز لزيادة الإمدادات، ومحطات الطاقة الأميركية زادت من استخدام الفحم بنحو 20 في المائة عام 2021 وهي أول زيادة سنوية في توليد الفحم منذ 2014، وينسحب هذا على دول أخرى مثل الصين والهند وأستراليا وغيرها.
لم تلتزم دول العالم بتعهداتهم في قمة المناخ في باريس بمكافحة آثار الوقود الأحفوري، إما عن طريق ضخ استثمارات ضخمة في مجال التقاط الكربون وتخزينه، أو عن طريق الهندسة الجيولوجية، لكن السعودية اتجهت نحو مزيج الطاقة لإنتاج الكهرباء، ورفع كفاءة التوليد من خلال تنويع مصادر الطاقة لإنتاج الكهرباء حسب التقنيات المتاحة، والتوجهات الإستراتيجية للقطاع بما في ذلك خفض الانبعاثات، ويرتكز على إزاحة الوقود السائل من المنظومة بشكل أساسي لتنويع مزيج الطاقة المكون من الطاقة المتجددة والغاز، بحصص تصل على 50 في المائة لكل منهما بحلول 2030 ويتم تحديث ومراجعة مستهدفات مزيج الطاقة بشكل دوري.
أي أن السعودية كانت أكثر واقعية، واتبعت أسلوبًا أكثر تدرجًا من التحول المفاجئ الذي اتبعته الدول الغربية والذين اتجهوا نحو ترويج نقل الاستثمارات من الوقود الأحفوري إلى الطاقة المتجددة، لكنهم وقعوا في أزمة نقص الإمدادات.
باعتراف مؤرخ صناعة النفط الأمريكي دانيال يرجين، بالدور القيادي الذي لعبته السعودية في ائتلاف منتجي ومصدري النفط أوبك+ مؤكدًا أن لها دورًا حيويًا في إعادة التوازن إلى السواق العالمية، وهو حائز على جائزة بوليتزر، حيث أضاف أن السعودية أرست نوعًا من القدرة على التنبؤ والاستقرار والحذر في الأسواق، وأثبتت دورها كقوة محفزة على الاستقرار في السوق العالمية، وكونها آلية من شأنها تمهيد الطريق أمام تعافي الاقتصاد العالمي من أزمته في الطلب على النفط، في الوقت الذي تراجع أهمية صناعة النفط الصخري الأميركي بالنسبة إلى ديناميكيات السوق العالمي.
إن لتغير المناخ جملة من التأثيرات على الأصعدة البيئية والاجتماعية والاقتصادية، لكن يبقى التأثير الاقتصادي الأكثر قلقًا لدى منظمات المجتمع الدولي والأهلي، بسبب أنه سيزيد الضغوط على طلب الغذاء والمياه الذي يتسبب في موجات هجرات تضاف إلى الهجرات التي نتجت عن حروب الشرق الأوسط بعد ثورات ما يسمى بثورات الربيع العربي، ولا زالت دول تعاني من هذه الحروب حتى الآن في سوريا واليمن وليبيا إلى جانب دول أخرى تسير في الفلك نفسه كلبنان والسودان وتونس.