د. محمد بن صقر
في حديث مع أحد الزملاء عن سرعه التغير والتغيير في كثير من المؤسسات والهيئات والوزارات من خلال أعمالها وبناء الإستراتيجية المناسبة لهذه المرحلة والتكيّف لمجريات الأمور وإطلاق المبادرات بعيداً عن إعلان الأهداف الكبرى التي للمشاريع، فالقضية هي ليس بإعلان المشاريع بقدر ما هو وضوح الرؤية والأهداف الكبيرة التي تأتي بانتصارات سريعة وصغيرة بشكل سريع من خلال استخدام إستراتيجية كايزن في ذلك مع التأكيد على العمل بأسلوب الرشاقة الإستراتيجية، ففي كتاب حول الرشاقة الإستراتيجي strategy Agility; The Art of piloting initiatives تقول الكاتبة بتينا بوشل - أستاذة في الإستراتيجية - إن تحقيق الانتصارات السريعة في هذا العالم المتغيّر يتطلب إستراتيجيات أكثر رشاقة من تلك التي اعتدنا عليها. وتضيف في هذه البيئة المتقلّبة وغير المستقرة، فإن تنفيذ الإستراتيجية يتمحور حول سرعة التعلّم واتخاذ القرارات المناسبة لتخصيص الموارد, وبما أن بعض المؤسسات والوزارات في الوقت الراهن تعيش تغيّرات ديناميكية وإعادة هيكلة وترتيب أولوياتها لتواكب التغيّرات وتواجه الأزمات، وتخلق الفرص وتستثمر المواقف والأحداث لتصنع نماذج عمل تعبر بها هذه الأمواج العاتية التي تسببت في ركودها أو تعثرها أو حتى انتكاساتها، لأن بعض هذه المؤسسات لم تستطع التعامل مع أي أزمة بحرفية بسبب اتباعها إستراتيجية تقليدية غير مرنة وغير مستوعبة للأحداث والمتغيّرات التي طرأت أو ممكن أن تطرأ في أي لحظة، وتسبب إرباكاً له تبعات تنظيمية غير متوقعة، لكن هناك مفهوماً يطلق عليه اسم الرشاقة الإستراتيجية، وهو مفهوم لا بد أن تمارسه أي مؤسسة أو كيان، يريد أن يستوعب الصدمات المفاجئة أو غير المتوقعة، لأنها اعتمدت على التجارب ذات النتائج الملموسة. هذه الإستراتيجية ليس بالضرورة أن تكون هي العلاج السحري للتحديات لكن هي النموذج الأمثل للقدرة على التفكير ضمن الإطار المنطقي، والخروج من رحم الأزمات والتحديات.
يقول بيل جيتس «يتطلب النجاح اليوم الرشاقة والدافع لإعادة التفكير باستمرار، وإعادة التنشيط، والتفاعل، وإعادة الابتكار»، حيث يقصد بيل جيتس هنا استخدام مفهوم الرشاقة الإستراتيجية كممارسة، وعملية تكييف التوجه الإستراتيجي للمؤسسة استجابة للظروف البيئية المتغيرة، بهدف الحفاظ على القدرة التنافسية، والمؤسسة الرشيقة هي التي تتمكّن من تعظيم نقاط قوتها بشكل مستمر، لتقديم الخدمة الملائمة في الوقت المناسب، فهي عملية ديناميكية لإعادة تشكيل الإستراتيجية في البيئة المتغيّرة، أو التي قد تتغيّر بناءً على الاستشراف لما قد يحدث، لذا نجد هنا أن الحديث عن الرشاقة لا يمكن أن يكون بمعزل عن الكفاءة العالية في الإنجاز، وتهيئة بيئة الإبداع والابتكار، فالرشاقة هي مفتاح النجاح في ظل بيئة أعمال غير مستقرة، وأسلوب عملي ذي فاعلية عالية في وقت الأزمات، فهي ليست من أشكال الترفيه واللمسات الفنية والترف الإداري التي توفرها بعض المؤسسات والهيئات لموظفيها، وإنما أسلوب علمي قائم على الأدلة والبراهين والتجارب، وهذا الأسلوب له محددات ضرورية من شأنها تحقيق النتائج المرغوبة، وهي أولاً: الحساسية الإستراتيجية ويعني ذلك قدرة المؤسسة على فهم إدراك التغيّرات البيئية المختلفة، وبناء رؤية للمستقبل كاستجابة للتغيّر البيئي المستمر، وقد تتشكّل هذه الحساسية في ثلاث قدرات أساسية تشمل الحوار الداخلي بين كافة الأطراف - وعمليات إستراتيجية مفتوحة - واليقظة الإستراتيجية العالية، وهذا ما تفتقده كثير من المؤسسات والمنظمات للأسف، فجميع الأعمال التي تقوم بها هي ردة فعل قد تكون صائبة، وفي أغلب الأحيان تكون خاطئاً.
ثانياً: الشراكة في المسؤولية والالتزام الجماعي بالمسؤولية كقيمة تسهم بالنضوج الإداري.
ثالثاً: وضوح الرؤية وتوفير القدرات الأساسية، فهذا الأمر يحقق السرعة والاستقرار المطلوبين لرشاقة الإستراتيجية.
رابعاً: اختيار الأهداف الإستراتيجية، فهي النتائج التي تسعى المنظمات والمؤسسات لتحقيقها، ويساعد أي مؤسسة على تعديل وتعزيز أو تطوير قدراتها الأساسية لتتوافق مع الفرص المتاحة.
خامساً: تنفيذ الأعمال والأنشطة، وهو عنصر يعتمد على التنسيق بين جميع وحدات العمل المختلفة بما يضمن الاستجابة السريعة والتغطية الشاملة.
سادساً: هو الجانب التكنولوجي والمقصود به الأدوات الضرورية في تحسين قدرة المؤسسات والهيئات، وامتلاكها مقومات الرشاقة الإستراتيجية بوصفها استجابة مناسبة للتغير الذي تشهده المؤسسات في إطار بيئة مضطربة شديدة التغيير.
جميع هذه المحددات عندما تكون حاضرة وممارسة في عقلية صانع القرار وقت الأزمات، الذي يستطيع أن يتجنب كثيراً من التحديات التي قد تواجهه عند حدوث أي أزمة.