خالد بن حمد المالك
بدأ العالم منذ بعض الوقت يحبس أنفاسه، يكشف عن قلقه، ويخاف مما يُحضّر لمستقبله، إذ إن المشاهد التي أمامنا لا تعطي كثير أمل بأننا أمام موعد لما هو أفضل، والأحداث المتسارعة بين روسيا وأوكرانيا لا تترك أمامنا فرصة لتغيير انطباع الخوف من أذهاننا، والذهاب إلى ما يعزز الاطمئنان، ويزيل عنا الرهبة والخوف من المتغيرات المتسارعة.
* *
فها هي روسيا تحتل وتضم جزيرة القرم الأوكرانية إلى أراضيها، وتطالب أوكرانيا بالاعتراف بها على أنها جزيرة روسية، ولا تكتفي بذلك، بل تستقطع من أراضي الدولة الأوكرانية دونيتسك ولوغانسك، وتحولهما إلى جمهوريتين مستقلتين عن جمهورية أوكرانيا، وتعترف بهما رسمياً، وتوقع معهما اتفاقيات صداقة وتعاون، وسط ضجيج من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية، ودعم صيني لروسيا في هذا الإجراء، وصمت مريب من مجلس الأمن.
* *
بهذه السرعة والبساطة يتم هذا الإجراء على رؤوس الأشهاد، ولا تزيد ردود الفعل الدولية المعارضة لذلك عن التلويح بالعقوبات على نمط ما تم مع إيران، دون أن يكون لها أي تأثير، أو قيمة، أو حتى اهتمام من الجانب الروسي، الذي يهدد باحتلال كامل الأراضي الأوكرانية، إذا ما تم انضمام أوكرانيا لحلف الناتو، بل إنه لم ينتظر ذلك، وإنما بدأت قواته البرية بالدخول إلى الأراضي الأوكرانية من جهة بيلاروسيا، وتم استهداف المطارات الأوكرانية.
* *
وروسيا لم ترتكب بدعاً بهذا الإجراء، فأمريكا لها السبق في احتلال أفغانستان والعراق، وتهديد عدد من الدول، ومثلها فرنسا وبريطانيا، وغيرها ممن يذرفون دموع التماسيح احتجاجاً على الموقف الروسي المعادي لاستقلال الدولة الأوكرانية بحجة أنها تهدد أمن روسيا، وتعرض المواطنين الروس للخطر، كذريعة لتبرير هذا الاعتداء الروسي السافر ضد دولة مستقلة وعضو في الأمم المتحدة.
* *
أسألكم وأسأل نفسي: ما قيمة هذه العقوبات التي تلوح بها الولايات المتحدة والنيتو, وما مدى تأثيرها على دولة كبرى كروسيا، أكثر من أنها حفظ ماء الوجه للغرب أمام تخاذله كعادته مع حلفائه وتخليه عنهم أيام الشدة، وانكفائه عن مواجهة روسيا، وتركها تفعل ما تشاء كما فعلت من قبل ولا تزال مع سوريا.
* *
لهذا، فإن توجس الدول والشعوب - وبخاصة الصغيرة منها- له ما يبرره، بل إن الدول الكبرى إذا ما تواصل الموقف المتأزم بينها، لن تكون في حال من الاستقرار، وستكون الحروب وبالاً عليها قبل غيرها، في حال استخدمت فيها الأسلحة الأكثر تطوراً، والأكثر فتكاً على امتداد الكون الواسع.
* *
أما مجلس الأمن وما أدراك ما مجلس الأمن، وحق النقض للدول المهيمنة على العالم لكل قرار لا ينسجم مع سياساتها، فهذا موضوع آخر شجع على هذه الفوضى، وأعطى الحق بممارسة العدوان دون رادع، وجعل العالم يشوب مستقبله الذعر والخوف، وانتظار الأسوأ في حياته، والمثال الموقف الروسي في دعم الانفصاليين عن الدولة الأوكرانية، وعلى مستوى آخر الإرهاب الإيراني، وممارسات حزب الله المدعوم من إيران في لبنان، والأحزاب الشيعية الموالية لإيران في العراق، والحوثيون عملاء إيران في اليمن، وهكذا مما لا عد له ولا حصر من مؤشرات على أن الأجواء ملبدة بما يجعل العالم في حالة خوف وذعر.
* *
وبالعودة إلى الوضع المتأزم بين روسيا وأوكرانيا، فقد تعرضت مبان رئاسية ومرافق عامة في العاصمة الأوكرانية كييف إلى الاستهداف العسكري من القوات الروسية، وقضم بلدتين وضمهما إلى الانفصاليين في لوغانسكيا، وهما ستاينتسها لوغانسكايا وشاستيا، إلى جانب توجيه الضربات إلى المطارات، وكان قد سبق ذلك إجلاء المواطنين الروس وعائلاتهم من جميع الممثليات الدبلوماسية الروسية في أوكرانيا، مما كان يشير إلى قرب بدء العملية العسكرية الروسية وهو ما حدث، ربما تكون حرباً محدودة، أو تنهتي إلى احتلال أوكرانيا كلها.
* *
اللافت للنظر أن أمريكا والنيتو والحلفاء يؤكدون أن لا نية لهم في مواجهة روسيا عسكرياً، وإنما ستكون تداعيات الحرب الروسية إقرار حزمة من العقوبات الاقتصادية ضد روسيا، وترك أوكرانيا تواجه مصيرها لوحدها، كما هي عادة أمريكا والدول الأوروبية مع حلفائهم، بينما يطالب الرئيس الروسي بوتين أوكرانيا بإلقاء السلاح والاستسلام لتجنب المزيد من إراقة الدماء، فواعجبي!!.