دولة رأسية أصولها، ضاربة في عمق التاريخ؛ تالدة وعريقة.. كانت البدايات على يد المؤسس الأول الإمام محمد بن سعود بن محمد بن مقرن، الذي غرس أصولها وسقاها بكفاحه، وقد أدرك ببعد نظره الثاقب، واستقرائه للأحوال المحيطة أنه لا سلطان ولا منعة: إلا بتوحيد الكلمة تحت راية واحدة، ونبذ الفرقة التي كانت تعصف بمعظم بلدان وسط شبه الجزيرة، فأول ما بدأ به توحيد مدينته (الدرعية) 1139هـ - 1727م التي ستصبح منطلقاً لتأسيس الدولة السعودية فمنذ اللحظة انطلقت مسيرة التأسيس والبناء.. وكان هذا الإمام الماجد مشهوراً: بالوفاء وحسن المعاملة، والحرص على حفظ حقوق الناس ودفع المظالم وقمع الفتن متصفاً بالرحمة والحزم، وقد أقر الله عينه وهو يرى مدينة (الدرعية) وقد أضحت مستقرة آمنة، وموئلاً للعلم وأهله، قد انضوت تحت لوائها الكثير من البلدان حولها وقوافل الوحدة تنطلق منها لترسيخ قواعد الدولة السعودية في مختلف أرجاء شبه الجزيرة العربية..
بعد وفاة الإمام المؤسس - رحمه الله - عام 1179 تولى مسيرة إتمام ما بدأه ابنه الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود، الذي سار على ما خطه ورسمه والده، فتوسعت الدولة في عهده، وانضوى تحت لوائها معظم أجزاء شبه الجزيرة العربية وعم الأمن سائر الأقاليم والمدن، وعاشت الرعية في زمنه في هناء ورغد واطمئنان، لا يخشى أحد منهم إلا الله لا سارقًا ولا مكابرًا، وصارت (الدرعية) هي مركز الثقل بين مدن شبه الجزيرة، واتسعت الحركة التجارية بينها وبين أنحاء الجزيرة العربية.
بعد استشهاده - رحمه الله - عام 1218 تولى ابنه الإمام سعود بن عبدالعزيز الذي واصل ترسيخ أركان الدولة وكان عالي الهمة؛ انتظمت مصالح العباد والبلاد في زمنه: بحسن تدبيره وانضوى تحت لواء الدولة جميع أجزاء شبه الجزيرة العربية بما في ذلك الحرمان الشريفان وامتد سلطانها من سواحل الخليج شرقًا إلى سواحل البحر الأحمر غربًا، ومن حدود العراق وبلاد الشام شمالاً حتى حدود عدن ومسقط جنوبًا..
بعد وفاة الإمام سعود بن عبدالعزيز - رحمه الله - عام 1229 تولى ابنه الإمام عبدالله بن سعود الذي سعى جاهدًا لحفظ كيان الدولة، وتجنيبها المخاطر المحدقة بها، وقد حاول الكرة تلو الأخرى، واستبسل في دفاعه عنها، وبذل نفسه في سبيل ذلك حتى استشهد - رحمه الله - عام 1233.
إلا أن تكالب الأعداء للقضاء على الدولة، ومحاولاتهم طمس أنوار هدايتها وأمنها وإشاعة الفوضى في أنحائها ذهبت أدراج الرياح، فقيض المولى جل وعز من أحفاد المؤسس الأول من نهض لرفع أسس الدولة الثانية عام 1240.. إنه الإمام الشجاع المقدام تركي بن عبدالله ابن الإمام محمد بن سعود، الذي استنقذ دولة آبائه وأجداده من براثن الأعداء، والقوى الطامعة بها، رغم المخاطر المحيطة به وقد دانت له قلوب العباد وانقادت حبًا..
بعد استشهاده - رحمه الله - عام 1249 تولى الأمر من بعده ابنه الإمام فيصل بن تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود، وكان كأبيه وأسلافه؛ شجاعًا مقدامًا واصل مسيرة والده في رفع وتثبيت أسس الدولة، ودفع غوائل الأعداء، وصد هجماتهم عنها، واستنقاذ نواحيها، وقد واجهته مصاعب عظام إلا أن الله تعالى مكن له وكان النجاح والتوفيق حليفه، وانتظمت بحسن سيرته مصالح العباد والبلاد..
بعد وفاته - رحمه الله - عام 1282 عانت الدولة من بعض المشكلات وكان آخر أئمتها هو الإمام عبدالرحمن الفيصل. كانت الجزيرة العربية على موعد مع صبح جديد، لاحت أنوار فجره، وأشرقت شمس ضيائه؛ إنه أحد أحفاد المؤسس الأول إنه المؤسس المجدد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل بن تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود خرج بأمر الله تعالى وتدبيره، بعد ما حل بجزيرة العرب النزاع والشقاق والفتن العظام، وضياع ملك الآباء والأجداد، فسلك نهجهم وترسم خطاهم فاستنقذ عاصمة ملكهم الرياض عام 1319 فكانت تلك بداية ملحمة تأسيس الدولة السعودية الثالثة المملكة العربية السعودية..
نعاود الذكرى بتأسيس دولتنا
في عهد مستنطق التأريخ سلمان
سعودية أولى وثانية ومملكة
محمد بن سعود كل الشعب جذلان
تتابع الملك في أصلابكم أبدا
فازت مساعيكم وهذا اليوم برهان
رحم الله تعالى المؤسس الأول محمد بن سعود والأئمة من عقبه، وجزاهم المولى عن العباد والبلاد خير الجزاء، وحفظ الله تعالى خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين، وأدام العز والتمكين لبلادنا المباركة.
** **
د. فهد بن عبدالله المزعل - جامعة طيبة