عندما نتحدث عن ذكرى يوم تأسيس الوطن والدولة السعودية.. لا بد أن نتناولها من جانبين:
أولاً: أننا بحمد الله تعالى ننتمي لوطن مبارك، ودولة عظيمة.. جذورها شامخة ومتطاولة...كشجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء.. ففي تاريخ 22 فبراير 1727م الموافق 30 جمادى الثاني 1139هـ كانت نواة تأسيس هذه الدولة على يد الإمام محمد بن سعود -رحمه الله- في الدرعية.. فهي مناسبة ذكرى تأسيس وطن ... وليست عيداً للاستقلال ولا للجلاء ... هو وطن تأسس حراً عظيماً لا فضل فيه لأحد ولا يزال إلا للمولى عزَّ وجلَّ..
وهذا يعني أن هذه الدولة السعودية تعد من ضمن أقدم 20 بلداً في العالم من حيث التأسيس.. فهي قبل تأسيس الولايات المتحدة على سبيل المثال بـ49 سنة، وبعد تأسيس المملكة المتحدة بـ20 عاماً.. وهذا يعني أيضاً أن وطننا المجيد في مصاف تلك الدول العظمى ليس فقط فيما نعيشه اليوم من جوانب اقتصادية، بل من تاريخ وعراقة، وقبل ذلك كله أننا نفخر بوطن تأسس على شريعة خالدة، وتقاليد عربية أصيلة، واتخذ من كلمة التوحيد راية له.. فمنذ 295 عاماً ووطننا وديارنا في خير.. وعلى خير.. في ظل حكم آل سعود الكرام.. اللَّهم أدم علينا نعمة الإسلام وصفاء العقيدة والأمن ورغد العيش.. واحفظ مملكتنا من كل سوء..
ثانياً: أن الانتماء للوطن من المسائل الجبلية والفطرية والغريزية التي لا تحتاج برأيي إلى بيان حكمها أو تناولها من وجهة نظر شرعية كما فهم ذلك أغلب العلماء السابقين؛ فمن الطبيعي جداً أن يُحب الإنسان وطنه الذي نشأ على أرضه، وترعرع بين جنباته، وصار حاملاً لهويته، ومن الطبيعي كذلك أن يشعر الإنسان بالحنين الصادق لوطنه عندما يُغادره إلى مكانٍ آخر، فكل ذلك مما يدل فطرة وعقلاً على قوة ارتباطه بوطنه وصدق انتمائه إليه؛ فتلك فطرة فطر الله الناس عليها، وقد عدَّد الحافظ الذهبي -رحمه الله - محبوبات الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: (وكان يحبُّ عائشة، ويحبُّ أَبَاها، ويحبُّ أسامة، ويحبُّ سبطَيْه، ويحبُّ الحلواء والعسل، ويحبُّ جبل أُحد، ويحبُّ وطنه..)، ويقول الشيخ محمد الألباني -رحمه الله -: (حب الوطن أمر غريزي، مثل حب الحياة، ومثل كراهية الموت..)، وقال الأصمعي -رحمه الله -: (إذا أردت أن تعرف وفاء الرجل ووفاء عهده، فانظر إلى حنينه إلى أوطانه، وتشوُّقه إلى إخوانه، وبكائه على ما مضى من زمانه).
ولقد كان نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام يتشوَّق للعودة لوطنه إذا سافر، فإذا نظر إلى جدران المدينة أوضَع ناقته، وإن كان على دابة حرّكها من حبها، رواه البخاري؛ حيث كان عليه الصلاة والسلام يسرع في مشي ناقته تشوقاً للوصول إلى موطنه، قال ابن حجر -رحمه الله -: (في الحديث دلالة على فضل المدينة، وعلى مشروعية حب الوطن، والحنين إليه)، وقد أفتى الشيخ عبدالعزيز ابن باز -رحمه الله - بجواز حب الوطن، وإن على الإنسان أن يشجع على الخير في وطنه، وأن يسعى لاستقرار أوضاعه وأهله (مجموع فتاوى ابن باز، 9/ 317).
ورأى سماحة مفتي عام المملكة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ -حفظه الله- جواز الاحتفاء باليوم الوطني، وقال: (الواجب أن يتحول هذا اليوم إلى يوم شكر لله، وتفكر بنعمه، وأن يحرصوا على شكر الله على نعمة الأمن والأمان) (عكاظ، 24-10-1432هـ).
وعليه فالاحتفاء بالمناسبات الوطنية والتوعية بها وترسيخ غرس الانتماء الوطني لدى جميع المواطنين، وخصوصاً في فئة طلاب الجامعات والتعليم العام أمر مهم؛ وذلك بعد أن غفل الناس عنها كثيراً على مدى عقود ماضية، ولعلنا نقول مجتهدين إن الاحتفاء باليوم الوطني والاحتفاء بالمناسبات الوطنية ليس له صلة بالنهي الشرعي الوارد عن اتخاذ أعياد غير عيدي الفطر والأضحى؛ فاليوم الوطني ويوم التأسيس هو احتفال دنيوي لا يقصد به التقرب إلى الله تعالى حتى يكون مخالفاً، فهو استشعار وتذكير للجميع بما أنعم الله على هذا الوطن ومواطنيه من صفاء للعقيدة، وتحكيم للشريعة، ووحدة للكلمة، وانتشار للأمن في ظل قيادة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين -حفظهما الله - وفي هذه المناسبات الوطنية تتجدّد البيعة لولاة الأمر، وتذكر فيها محاسنهم، وتبرز مآثرهم وفضائلهم وإحسانهم وعدلهم، ويُعرض فيها ما مرَّ على هذه البلاد في الأزمنة الماضية من الجهل والخوف والظلم والفرقة والضعف والهوان والفقر، فالاحتفاء وفق هذه الصورة مثله مثل الاحتفال بيوم المعلم، أو اليوم العالمي لمرض السكري، أو اليوم العالمي للتطوع، أو اليوم العالمي للدفاع المدني، أو التوعية بأضرار المخدرات، أو أسبوع المرور، أو أسبوع الشجرة، ونحو ذلك، فهي مناسبات دنيوية، ويقصد من ورائها توعية الناس بالمصالح العامة لهذه المناسبات..
وأخيراً.. أختم بأن أجدادنا قاتلوا مع حكام الدولة السعودية، وتحت رايتهم على مدى تاريخ مضى لا يريدون دنياً ولا هوى.. إنما لما يعرفونه عنهم من صدق وعدل وقدرة وضبط وتمسك بالدين الوسطي المعتدل.
وهذا الحديث الذي أذكره هنا إنما هو رسالة تذكير لأولاد هذه الأسر الكريمة والقبائل العريقة التي بادرت بالولاء للحكام من آل سعود بأن يكونوا خير خلف لمن سلف من آبائكم وأجدادكم بحسن الاقتداء بهم، والسير على خطاهم، وعدم التأثر بأي محرّض أو فتّان أو ناعق أو فكر أو حزب أو حركة تمس وحدة هذا الوطن وتضر بأمنه والخروج على ولاة أمره.. والسعيد من اتبع.. والشقي من ابتدع...
اللهم وفق ولاة أمورنا واحفظهم، واحفظ وطننا آمناً موحداً مطمئناً.. ورد عنه كل شر وضر..
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه..
** **
د. عبدالله بن محمد المطوع - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية