صدر الأمر الملكي الكريم رقم: أ/371 بتاريخ 24-6-1443هـ (27-1-2022م) من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود بأن يكون يوم 22 فبراير يوماً للتأسيس وهو اليوم الذي يرمز إلى العمق التاريخي والحضاري والثقافي للمملكة العربية السعودية عندما أسس الإمام محمد بن سعود الدولة السعودية الأولى عام 1139هـ/ 1727م. وانتهى الأمر الكريم إلى نقطتين مهمتين تؤسسان لتأصيل تاريخ عريق ومناسبة عظيمة، هما:
أولاً: يكون يوم (22 فبراير) من كل عام يوماً لذكرى تأسيس الدولة السعودية، باسم (يوم التأسيس) ويصبح إجازة رسمية.
ثانياً: يبلغ أمرنا هذا للجهات المختصة لاعتماده وتنفيذه.
شعار يوم التأسيس
يرمز شعار التأسيس إلى عدد من العناصر تشمل التاريخ والجغرافيا والمعتقد والثقافة والتراث، والتي شملت صوراً للعلم السعودي، والنخلة، والصقر، والخيل العربية، والسوق، لتعكس تناغماً تراثياً حياً، وأنماطاً مستمرة، هي رموز شعار يوم التأسيس، وقد استلهم خط الشعار من نمط الخط التاريخي الذي كتبت به إحدى المخطوطات التاريخية التي تؤرخ أحداث الدولة السعودية الأولى، وفقاً لما ذكرت دارة الملك عبدالعزيز في الكتاب الصادر بهذه المناسبة العظيمة.
حجر اليمامة.. قصة تروى
تقع الدرعية عاصمة الدولة السعودية الأولى في وسط الجزيرة العربية، وتحديداً في إقليم اليمامة الذي يحتل مساحة كبيرة من الجزيرة العربية، حيث يبلغ طوله من الشمال إلى الجنوب ما يزيد على 1000 كم وعرضه 500 كم، وتتوسطه سلسلة جبال طويق لشهيرة التي تغنى بها الشعراء. كما أن موقع الدرعية على ضفاف «وادي حنيفة» الذي كان يعرف قديماً باسم «وادي العرض» منحها أهمية جيوسياسية على امتداد جغرافية الجزيرة العربية.
قال الأصمعي «وأخصب ذلك العرض وأخصبت أعراض المدينة وهي قراها التي في أوديتها»، وذكر أبو عبيد السكوني: «عرض اليمامة، وادي اليمامة، ينصب من مهب الشمال ويفرغ في مهب الجنوب مما يلي القبلة، فهو في باب الحجر، وما حوله من القرى تسمى السفوح، والعرض كله لبني حنيفة إلا شيء منه لبني الأعرج من بني سعد بن زيد مناة بن متيم». أنشد الشاعر يحيى بن طالب الحنفي:
يُهيج عليَّ الشوقُ من كان مصعداً
ويرتاع قلبي أن تهب جنوب
فيا رب سل الهم عني فإنني
مع الهم محزون الفؤاد غريب
ولست أرى عيشاً يطيب مع النوى
ولكنه بالعرض كان يطيب
بذرة التأسيس
كان أول من قدم من بني حنيفة إلى اليمامة هو «عبيد بن ثعلبة بن يربوع بن ثعلبة بن الدؤل بن حنيفة». جاء مرتحلاً بأهله وماله من الحجاز، حتى نزل بموضع يقال له «قَارَات» بالقرب من «حَجْر الرياض»، فأقام بها أياماً. وكان راعياً له قد خرج أتى «الحِجر» فرأى القصور والنخل فعرف أن لها شأناً، فرجع حتى أتى عبيداً، فأخبره وقال: رأيت آطاماً طوالا، وشجرا حساناً، وهذا حمله؛ وهو من تمر نخيله وجده منتثرا تحت النخل، فأكل منه عبيد، فقال: هذا والله الطعام، وما أن أصبح حتى أمر بجزور فنحرت، ثم قال لبنيه ومن كان معه: احرزوا حتى آتيكم. فركب فرسه، وارتدف الغلام خلفه، وأخذ رمحه حتى قدم إلى «حَجْر» فلما رآها عرف أنها أرض شأن، فوضع رمحه في الأرض، ثم دفع الفرس، فاحتجر على ثلاثين داراً وثلاثين حديقة وسميت بذلك حجِراً. ومن أشهر الأبيات الشعرية التي جاءت في وصف اليمامة وأجملها، تلك التي قالها «عمرو بن كلثوم» في معلقته المشهورة:
فأعرضت اليمامة وأشمخرت
كأسيافٍ بأيديٍ مُصلتينا
الدرعية.. وانطلق التاريخ
أسست عشرة «المردة» من «الدروع» من بني حنيفة مدينة رشقي الجزيرة العربية على ساحل الخليج العربي، أطلقوا عليها اسم «الدرعية» نسبة إلى العشيرة، وذلك بعد أن انتقلوا من وسط الجزيرة العربية في القرن الرابع الهجري لظروف عدم الاستقرار آنذاك، ونتيجة لعودة عشائر بني حنيفة إلى حجر اليمامة بعد عودة الاستقرار إليها تلقى «مانع بن ربيعة المريدي الحنفي»، وهو في بلدته الدرعية شرق الجزيرة العربية دعوة ابن عمه حاكم مدينة «حجر» في اليمامة وهو ابن درع للقدوم بالعشيرة والاستقرار في منطقة أجداده وأسلافه. قدم مانع المريدي عام 850هـ (1446م) بعد أن استقبله ابن درع وعشيرته في وادي حنيفة، وأقطعه موضعي «غصيبة» و«المليبيد» اللذين يقعان شال غرب مدينة حجر، فجعل مانع «غصيبة» مقراً له ولحكمه وبنى لها سوراً، وجعل «المليبيد» مقراً للزراعة. ويعد هذا الحدث أبرز أحداث الجزيرة العربية في العصر الوسيط، فقد كان قدوم مانع اللبنة الأولى لتأسيس أعظم دولة قامت في المنطقة تاريخ الجزيرة العربية بعد دولة النبوة والخالفة الراشدة.
محمد بن سعود.. مؤسس الدولة السعودية الأولى
ولد الإمام محمد بن سعود بن محمد بن مقرن عام 1090هـ 1679م ونشأ وترعرع في بلدة الدرعية. تولى الإمام محمد بن سعود الحكم في أوضاع استثنائية خلال منتصف عام 1139هـ فبراير 1727م؛ فقد عانت الدرعية قبيل توليه الحكم من ضعف وانقسام لأسباب متعددة، منها النزاع الداخلي على إمارة الدرعية بين عمه الأمير مقرن بن محمد والأمير زيد بن مرخان، وكذلك حملة الدرعية على العيينة، ومقتل الأمير زيد بن مرخان، ومنها كذلك انتشار مرض الطاعون في جزيرة العرب خال تلك الفترة وتسببه في وفاة أعداد كبيرة من الناس. ومع كل هذه التحديات، استطاع الإمام محمد بن سعود أن يتغلب عليها وأن يتخطاها ويوحد الدرعية، وأن يسهم في نشر الاستقرار في منطقة العارض. ذكر الثقات من المخربين عن شأن الإمام محمد بن سعود -رحمه الله- أنه كان رجلاً كثير الخيرات والعبادة، وكان أبوه سعود وجده محمد أميرين على إمارة الدرعية، وهما أكبر قومهما. من أجلّ أعماله، بل أهمها مناصرته المباركة -رحمه الله- لدعوة الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب -رحمهما الله جميعاً-. توفي الإمام محمد بن سعود عام 1179هـ 1765م بعد أربعين عاماً من القيادة والتأسيس.
جبال طويق.. العارض المنقاد
أصبحت عبارة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان التي قالها خلال مؤتمر مبادرة الاستثمار 1440هـ (2018م) «همة السعوديين مثل جبل طويق» أحد أهم قوانين التحفيز والإبداع لدى كل مواطن ومواطنة سعودي كبيراً وصغيراً. لقد أصبحت هذه العبارة علامة فارقة من قائد ملهم صاغت نظرة ثاقبة نحو مستقبل عظيم لتاريخ مجيد.
وتعد جبال طويق «العارض» من المعالم الشامخة في وسط المملكة العربية السعودية في منطقة حجر اليمامة، حيث تبنت بذرة تاريخ هذه الدولية العظيمة. وهي سلسلة جبلية تكون هضبة تقع في قلب نجد. وتمتد سلسلة جبال طويق على مسافة 1100كم، حيث تبدأ من صحراء نفود «الثويرات» في منطقة القصيم، مروراً بوادي الدواسر، وصولاً إلى مشارف صحراء الربع الخالي. ومن أسمائه «العارض المنقاد» أي الممتد كما كانت تفضل جدتي لأبي تسميته عند السفر من موطنها بقرية مذيور بوادي ملاح إما باتجاه العاصمة الرياض أو عند التوجه لشرق المملكة. وتشكل سلسة جبال طويق شكل طوقاً قامت على ضفافه أوديته القرى والحضارات المدنية عبر تتابع العصور. وقد استخدمت أيقونة رسمية لشعار مشروع «القديّة» تأصيلاً لأمرين هما: تاريخ ممتد ومستقبل مشرق.
هل العوجا
نخوة العوجا نخوة الدولة السعودية، وهي النداء الذي يبث الحماس والفخر وروح الانتماء، ويعبر عنها أبناء الوطن في أهازيجهم الوطنية بشكل مستمر. وترتبط هذه الأهازيج بلون العرضة السعودية الذي يعد من أشهر الألوان الأدائية في تاريخ المملكة العربية السعودية. وتستهل العرضة، بـ«الحوربة»، وهو النداء لبدء العرضة، ويطلق عليها كذلك «البيشنة» أو «الشوباش»، حيث ينادي أحد مؤدي العرضة يطلق عليه «المحورب» بصوت مرتفع ويكون محمولاً على أكتاف الرجال، ليصل مدى صوته مسامع الجميع مسترسلاً ببيت أو بيتين ولا تزيد على ثالثة أبيات من الشعر الحماسي يستحثهم على الحضور مخبراً إياهم ببدء العرضة.
وتختم العرضة بـ«الزمية» حيث يتجه مؤدو العرضة نحو القائد رافعين سيوفهم مرددين أبياتًا معينة تتضمن الولاء والنصرة له. ومع مرور الزمن وتوحيد أطراف الجزيرة العربية تحت حكم الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -طيب الله ثراه- في العام 1351هـ (1932م) واستتباب الأمن في البلاد تحت راية التوحيد لم تندثر العرضة وظلت باقية، ولم تعد إقامتها تقتصر على وقت إعلان الحروب وتتويج النصر، بل أصبحت تقام في مناسبات مختلفة، كالأعياد، واستقبال الملوك والرؤساء، وفي المناسبات الوطنية، والاحتفالات الرسمية والشعبية. ومن أشهر الأبيات التي يرددها ملوك هذه البلاد خلال أدى العرضة السعودية قول الشاعر:
نحمد الله جات على ما نتمنى
من ولي العرش جزل الوهايب
ومن أبرز أبيات الشعر التي تناولت نخوة العرب الأصيلة «هل العوجا» بيت شعري شهير للإمام عبدالله بن سعود -رحمه الله- قال فيه:
حنا هل العوجا وحنا اللي نرد الضديد
والطايلة يحظى بها من عز طاروقها
ومن الأبيات المشهورة ما نقل عن خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله:
حنا هل العوجا وما به مراواه
شرف المصايب مثل شرب الفناجيل
وقالت الشاعرة موضي الدهلاوية:
سر وملفاك للعوجا مسيرة
ديرة الشيخ بلغه السلام
لكن أشهر أبيات العرضة السعودية التي ترافق هذه النخوة «هل العوجا» قول الشاعر:
منِّي عليكم يا هلَ العوجا سلام
واختص أبو تركي عَمى عين الحريبْ
يا شيخ باح الصبر من طول المقام
يا حامي الوندات يا ريف الغريب
اضرب على الكايد ولا تسمع كلام
العز بالقلطات والرآي الصليب
لو ان طعت الشور يا الحر القطام
ما كان حشت الدار وأشقيت الحريب
** **
عبدالله جليد - أكاديمي وباحث دكتوراه - الولايات المتحدة الأمريكية
مصدر المعلومات: كتاب يوم التأسيس - دارة الملك عبدالعزيز