مشعل الحارثي
مع ازدياد الوعي الملحوظ بأهمية ثقافة التطوع الذي يمثل سلوكاً حضارياً للمجتمعات المدنية كونه أحد الروافد المهمة لتنمية المجتمع والنهوض به وتعزيز مبدأ التكافل الاجتماعي بما يمثله من معاني الغوث والعون والتعاضد وتكاتف الجهود، ومع ما تسعى إليه حكومتنا الرشيدة في الوصول لتحقيق هدف (مليون متطوع) من خلال رؤيتها الطموحة 2030، وعملها الدؤوب على نشر الوعي الكافي بأهمية المعرفة وثقافة التطوع ووضع الأنظمة والمنصات الإلكترونية التي تساعد أبناء الوطن للوصول لتلك الغاية والهدف فكان لا بد من الوقوف على نموذج حي لمعرفة ما يتم في هذا المجال فقادتني خطاي قبل عدة أسابيع لزيارة مركز التطوع بجامعة جدة والتقيت بالمسؤول عنه الدكتور عثمان المزمومي وقد أبهجني وسرني ما قدمه لي من شرح مصحوب بالعديد من المعلومات والمقاطع المرئية القصيرة وما ذكره لي من إحصائيات وأرقام لما تحقق لهذا المركز من منجزات مبهرة وعمل متقن واهتمام كبير بنشر ثقافة العمل التطوعي بين طلاب وطالبات ومنسوبي الجامعة رغم عمره الزمني القصير الذي لا يزيد على أربع سنوات، ومن ذلك احتفالهم مؤخراً بوصول عدد المتطوعين إلى (5) آلاف متطوع وتسجيل أكثر من (50) ألف ساعة عمل تطوعي، وتنفيذ عشرات المبادرات والمسابقات والملتقيات والشراكات والفعاليات المتنوعة ومخيمات تنمية القوى البشرية، وإطلاق المنصة الإلكترونية ووضع أدلة التطوع والحملات الإعلامية التي كان آخرها (التطوع خير)، وإشراك المتطوعين والمتطوعات في القرارات الخاصة بعمل المركز وتطوير خططه حتى أصبح عمل هذا المركز مرادفاً لما يتم بالجامعة وكلياتها وعماداتها المختلفة من برامج تعليمية ونظرة مستقبلية طموحة، بل أصبح عمل هذا المركز والمتطوعين به يمثل جزءاً أساسياً في أي عمل جماعي أو تنظيمي أو فعاليات تتم داخل الجامعة أو خارجها وبالتعاون مع الجهات الأخرى. وقد خصصت هذه الجامعة من بين الجامعات الأخرى بمنطقة مكة المكرمة بحديثي لمعرفتي التامة بظروف هذه الجامعة التي واكبت من خلال عملي بها فترة انفصالها عن جامعة الملك عبدالعزيز عام 1439هـ بعد أن كانت فرعاً لها بشمال جدة وصدور الأمر السامي الكريم باعتبارها جامعة حكومية مستقلة، وهي آخر الجامعات السعودية الحكومية من حيث النشأة، ومع ذلك فقد قفزت بتكاتف منسوبيها فأصبحت نموذجاً للعمل الطموح ومنارة علمية متميزة ووجهة لاختيار قادة المستقبل بما ينتظم بها منلاف الطلاب والطالبات الموهوبين في عشرات التخصصات النوعية المتفقة مع استراتيجيات الجامعة وخططها التي بدأت من حيث انتهى الآخرون والمتزامنة مع التغيرات المتسارعة في العالم في أساليب التعليم الحديث والتطورات التقنية والاهتمام بالبحث العلمي، ومواكبة أهداف رؤية المملكة 2030 حتى غدت في طليعة الصروح التعليمية الأكاديمية السعودية.
وقد لا أخفي سراً إذا قلت إن هذه الجامعة ستكمل في منتصف العام المقبل (10) سنوات من عمرها كجامعة مستقلة وهي مناسبة تدعوها للاحتفال بهذه المسيرة وبما تم فيها من منجزات واتخاذها نقطة تحول لمراجعة خططها واستراتيجياتها ما تحقق وما لم تتهيأ الظروف لتحقيقه والانطلاق من جديد بروح وثابة نحو تحقيق الأهداف العامة واستكمال أثرها الفعلي خارج أسوارها في خدمة المجتمع كما بدأت هذا المشروع النابه قبل عدة سنوات ولاقى قبولاً واستحساناً كبيراً من أفراد المجتمع والجهات المسؤولة، على أن يصاحب ذلك أيضاً حملة إعلامية كبرى للتعريف بها وبجهودها التي ما زال يجهلها الكثيرون بل دعت البعض أن صنفها ضمن الجامعات الأهلية. ومن واقع تجربة شخصية فقد سبق لي العمل التطوعي في بدايات حياتي الوظيفية مع عدد من الجهات الخيرية والمراكز العلمية منها هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية بجدة والجمعية السعودية للإدارة وجمعية الزهايمر بجدة وغيرها، وأقول وللحقيقة أن هذه التجربة أضافت لي الكثير من المعارف والخبرات والعمل بروح الفريق، بل زادت من حصيلتي ومهارتي الوظيفية فتوليت في بعضها إدارة بعض الأقسام الإدارية والإعلامية وانعكس بالتالي أثرها في عملي الحكومي الأساسي في تحسينه وتجويده وتطويره وفتحت أمامي العديد من الأبواب المشرعة لخدمة الوطن في كل مجال وميدان. إنما يلقاه العمل التطوعي والخيري في بلادنا من تشجيع ودعم لتحقيق مستهدف رؤية 2030 وما تم تحقيق طيلة السنوات الماضية من خطوات ملموسة تمثلت في العديد من المبادرات، وإنشاء عدد من المراكز التطوعية في الجامعات السعودية، وكذلك تأسيس الجمعيات والأكاديميات المتخصصة في تدريب المتطوعين على الأعمال التطوعية، وتنظيم يوم التطوع السعودي، وارتفاع أعداد المتطوعين وإن كانت تمثل مؤشرات تمنحنا التفاؤل بأن بوادر تحقيق مستهدفات الرؤية تسير في طريقها الصحيح وبدأت توتي ثمارها على الفرد والمجتمع، إلا أن ذلك يدعونا لبذل المزيد من الجهد والعمل لمواصلة المسيرة ليصبح هذا العمل مبعث فخر واعتزاز لنا جميعاً ودليلا واضحا على خيرية المجتمع الذي يمثل التطوع جزءا من انتمائه الديني وقيمه السامية وأبلغ معاني البذل والعطاء الإنساني. وختاماً وبالعودة لمنطلق هذا الحديث أقول إن كلمات الشكر تقصر أن تفي مسؤولي جامعة جدة ومدير مركز التطوع ومتطوعيها هذا الجهد والعطاء المتميز، والشكر موصول اأيضاً لكل متطوعيالوطن من شبابه وشاباته ممن سخروا أنفسهم وجهدهم وضحوا بوقتهم من أجل هدف نبيل في خدمة مجتمعهم وإبراز الوجه المشرق لبلادهم، وشكراً لكل الجهات الحكومية والخاصة التي تؤدي هذه الرسالة على أكمل وجه، وشكراً أولاً وأخيراً لراعي هذه الانطلاقة الميمونة التي تسابق الزمن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله ولأمير الشباب وقائد مسيرتهم المظفرة سمو ولي العهد الأمين محمد بن سلمان الذي منح الشباب من خلال رؤية المملكة 2030 الفرصة لإطلاق طاقاتهم وتطوير قدراتهم ومهاراتهم وتمكينهم من المساهمة في خدمة الوطن بكل جد وإخلاص وتفان.