ميسون أبو بكر
عندما وصلني طرد بريدي قبل أكثر من ثلاثة عشر عاماً مُوقّّعاً باسم حنا مينة الذي يعد أحد أهم كتَّاب الرواية العربية -والذي أثار غضب الشعراء حين قال إن الرواية ذاك الوقت غدت ديوان العرب- تذكّرت زمن الأدباء العظماء ومراسلاتهم وتواصلهم، تذكّرت مي زيادة وغادة السمان وميخائيل نعيمة ونزار قباني وغيرهم، فالأدب العربي ثري برسائل أدبية كثيرة، أما رسالة حنا مينة والتي أحتفظ بها مع أشيائي الثمينة وأوراقي الثبوتية فكانت رداً جميلاً على برنامجي الذي عُرض على الإخبارية السعودية وعنوانه « مينة والبحر».
كان مينة عازفاً وقتها عن لقاء الصحفيين والصحافيات كما ذكر لي في رسالته والذين كانت تنهال عليه طلباتهم لعمل لقاءات معه وقد حسمها بوضع لافتة على باب بيته « أرجوكم كفوا عن هذا الهبل لأني سأموت قريباً».
ولو كنت مكان هؤلاء لما كففت عن الإلحاح للقائه والظفر بلقاء تلفزيوني أو صحفي مع أهم كتّاب الرواية العرب.
من إحدى الطرائف التي كتب لي عنها أنه كان يؤجّل فتح الرسائل التي تصله، وقد جرّ هذا الويلات عليه كما كتب لي خصوصاً في مواعيد المحاضرات، ففي إحدى تلك المرات التي لم يحضر فيها ندوة مهمة؛ اعتذر الدكتور راتب سكر لطلبة إحدى الجامعات في حمص في سوريا عن غياب مينة قائلاً «إن المحاضر غير المأسوف على غيابه يقول عن نفسه؛ «أنا نصف عاقل ونصف مجنون وأفضّل نصفي المجنون على نصفي العاقل» يبدو أنه اليوم يعيش نصفه المجنون.
وفي طرفة أخرى كتبها مينة في رسالته، حيث كان ضيفاً في إحدى المآدب الليلية وكان يجلس قربه د. عادل العوّا أستاذ الفلسفة المعروف في الجامعات السورية والعربية وسأله» من أي جامعة تخرَّجت دكتور حنّا؟ وبسرعة بديهية غير معهودة في العبد لله - كما ذكر حرفياً- أجبته: من جامعة الفقر الأسود يا دكتور»فرد عليه العوّا برصانته المعهودة: غريب لم أسمع بهذه الجامعة يا دكتور.
لعل جنون حنا مينة إن صح التعبير ينطبق على كثير من الكتَّاب والفنانين وهذا هو الجنون الجميل الذي قد يكون وراء إبداع أولئك الذين يحاولون الهروب من عالمهم إلى عالم يتسع لأفكارهم وفلسفتهم بعيداً عن صخب الحياة وضجيجها وروتينها أيضاً.
رسالة مينة فيها الكثير من الحكايا التي أطرب حين أرويها لأحبتي وقرائي ولعلي أختم مقالي بالبيتين اللذين بدأ بهما:
أكتب المكاتيب والأيام تمحيها
وأنا ناطر الدروب ومالي من يودّيها
بالله يا كاتب المكاتيب فسّر لي معانيها
وسلم على السعودية وميسون التي فيها
وسلامتكم..