أ.د.عثمان بن صالح العامر
كلما كان الإنسان أقرب إلى التلقائية والعفوية في حياته وسلوكه مع الآخرين كان في الغالب أقرب إلى السعادة وارتياح الضمير، فالحياة المتكلَّفة أو ما يمكن أن نطلق عليها الرسمية المحاطة بهالة من (البرستيج) المعقّد تفقد الإنسان اللذة والمتعة وتغيّب البهجة الداخلية التي قد يتنعم بها الفقير القادر على التكيّف مع الظروف قبل الغني اللاهث وراء الحياة وبلا حدود، رغم كل المظاهر التي حوله والنعيم الذي هو فيه، والمتأمل في واقع الإنسان السعودي يلحظ أن مرحلة النفط الأولى التي مرَّ بها الآباء ومن بعدها الثانية والثالثة، ولَّدت هذه المراحل المتتابعة معها ألواناً من التعقيد، وقلبت حياة الناس وأثَّرت بشكل مباشر على تصرفاتهم الشخصية مع أنفسهم وحين احتكاكهم بالغير سواء في دائرة الحي أو المجتمع المحلي أو ... وتدخَّل النفط بشكل مباشر في بلورة وجه آخر لمناسباتنا الاجتماعية واحتفالاتنا المختلفة، إذ نقلها من البساطة إلى التعقيد، ومن التلقائية إلى التكلّف، ومن الوسطية إلى البذخ والإسراف.
باختصار.. علينا أن نعيد النظر في نمط حياتنا اليوم لنعود إلى البساطة التي افتقدناها، والمنطلق الذي تبدأ منه رحلة الألف ميل القناعة التامة بأن التكلفة وحياة الترف ليست هي الطريق لجعل القلب يتراقص من شدة الفرح، فالسعادة والطمأنينة لا يمكن أن تُشترى بالمال ولا تُوهب من الغير، بل هي أمر ينبعث من داخل الإنسان بقدرة العزيز الجبار وكما تقول «دومنيك لورو» في كتابها الرائع «فن البساطة»: (علينا أن نكف من اليوم عن هذا التبذير قبل أن يأتي يوم نصبح فيه مجبرين عليه)، (إن البساطة حل لكثير من الصعوبات)، ورائع قولها: (... فما من أمر يستحق المكافأة أكثر من قدرتك على تقدير الأشياء في حياتك بمنهجية وصدق: ما الفائدة منها، وإلى أي عالم تنتمي، وأي قيمة تضيفها إلى حياتك؟).. دمتم بخير، وإلى لقاء، والسلام.