تستمد الدول قوتها وعظمتها من تاريخها المجيد، وتاريخ الدولة السعودية تاريخ مشرف ومشرق ومؤطر بالأمجاد الخالدة ومسيرة رائدة على مدى تاريخها الطويل منذ تأسيسها الأول على يد الإمام محمد بن سعود بن محمد بن مقرن وعلى مدى مراحلها الثلاث ولعل من أبرز ملامحها ذلك التلاحم الكبير بين القيادة والمواطنين، والاستقلال في القرار عن الدول العظمى التي هيمنت على العالم وهي الدولة الوحيدة التي لم تطأ أرضها يد المستعمر البغيض فأصبحت أرضها بكرًا طاهرة على الرغم من اتساع مساحتها المترامية الأطراف، كما أن لها من الخصوصية والسمات التي حباها الله إياها لتكون على أرضها دون غيرها من الممالك والدول، ومنها أنها مهبط الوحي الإلهي، ومنطلق ومبعث الرسالة المحمدية وتوجد على أرضها الأماكن المقدسة في مكة المكرمة حيث المسجد الحرام والمدينة المنورة حيث المسجد النبوي وبها مثوى سيد البرية وخاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم. كما أن ملوكها من آل سعود هم القيمون على خدمة الحرمين الشريفين وبها يلقبون ويتشرفون بهذا اللقب، ومنذ أكثر من ثلاثة قرون من عمر الزمن تأسست الدولة السعودية الفتية على يد الإمام محمد بن سعود في منتصف عام 1139هـ/ 1727م ليكون إعلان ميلاد دولة سعودية راسخة الجذور، قوية الارتباط مع مواطنيها منذ التأسيس الأول حتى يومنا الحاضر وهذا ما أكدته الوقائع والأحداث والأزمات وهي الدولة الوحيدة التي لا أقول تسقط إنما تغيب لظروف قاهرة مؤقتة لتعود من جديد أقوى مما كانت عليه وهذا ما أكدته الكثير من المصادر والمراجع التاريخية فعند محاولة القضاء على الدولة السعودية الأولى لم يمض سوى سبع سنوات على انتهائها حتى نهضت الدولة من جديد وعاد وهجها أكثر قوة وصلابة ونفوذًا على يد الإمام تركي بن عبدالله عام 1240هـ/ 1824م، وزاد من نفوذها ابنه الإمام فيصل بن تركي الذي يعد مؤسس الدولة السعودية الثانية التي استمرت حتى عام 1309هـ/ 1891م وبعد انتهائها بعشر سنوات قيض الله لهذه الدولة المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن ليؤسس المملكة العربية السعودية الثالثة المعاصرة والحديثة ليوحد هذا الكيان العظيم ويلملم أجزائها المبعثرة ويترك لنا إرثًا خالدًا ليأتي من بعده ستة من أبنائه الملوك الأشاوس ليحافظوا على قاعدة هذا الملك التليد والإرث الخالد إن شاء الله تعالى إلى قيام الساعة.
وبما أن تأسيس هذه الدولة له من الأهمية البالغة لأنه يمثل إعلان قيام هذه الدولة لذا جاء الأمر الملكي الكريم ذو الرقم أ/ 371 ليكون يوم 22 فبراير من كل عام يومًا لذكرى تأسيس الدولة السعودية باسم يوم التأسيس ويصبح إجازة رسمية.
ولقد جاء إقرار الإرادة الملكية لهذا المرسوم للتذكير والتأكيد على هذه المناسبة الوطنية للاعتزاز بالجذور الراسخة للدولة السعودية العظيمة الشأن، حيث إن رؤية القيادة العميقة ارتأت تعميق وترسيخ مضامين التأسيس الأول للدولة السعودية وربطها مع ذكرى اليوم الوطني للمملكة العربية السعودية في نفوس أبناء المملكة لتستذكرها الأجيال تلو الأجيال ليتربوا على أثر هذه النعم الكبيرة والآلاء الجسيمة التي أنعم الله بها وأصبغها على هذه الأرض المقدسة بعد نعمة الإسلام والذي هو دستورها الأول وليس بأقلها نعمة الأمن والأمان والاستقرار ونعمة الوحدة واللحمة الوطنية على مدى أكثر من ثلاثة قرون.
وكذلك إذ قيض الله لهذه الدولة المباركة قيادة راشدة حكيمة من الأئمة والملوك ممن كان لهم دور وأثر كبيرين على المحافظة على كيان هذه الدولة وتوسعها وإنمائها وبنائها، منذ التأسيس الأول على يد الإمام محمد بن سعود وحتى تأسيس المملكة العربية السعودية الحديث في عهد الملك عبدالعزيز، وحتى هذا اليوم في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- والذي كان معه الارتباط الوثيق مع المواطنين ارتباطًا أسريًا حميمًا وثيق العرى وهذا من أهم المكتسبات التي بدأها أئمة الدولة السعودية وملوكها والذي وضع وأكد قاعدتها الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه- واستمر على ذات النهج أبناؤه الملوك البررة من بعده سعود، وفيصل، وخالد، وفهد، وعبدالله -رحمهم الله جميعًا- وكان وما زال للملك سلمان الأثر الأكبر والعمق الأعظم في ترسيخ هذا المفهوم منذ اليوم الأول الذي باشر فيه العمل أميرًا لمنطقة الرياض ليعمق في كل بيت سعودي ولكل أسرة سعودية مفهوم مضامين التأسيس لهذه الدولة وهو من فتح أبوابه وأشرعها للمواطنين في جلستين منتظمتين في ديوان الإمارة وقصر الحكم في كل يوم عمل على مدار الأسبوع كما خصص لأبنائه المواطنين في كل يوم اثنين من كل أسبوع بعد صلاة العشاء جلسة استقبال للمواطنين في قصره بالمعذر ومن ثم في قصره في عرقه، وهو الأكثر ارتباطا بالتاريخ والإلمام بتفاصيله الدقيقة ليعمق في نفوسنا مضامين التأسيس الأول والوحدة الوطنية التي بدأها وأسسها الملك عبدالعزيز وعلى مدى أكثر من خمسة قرون وقد كنت شاهد عيان عليها وكم تشرفت وشرفت بحضور الكثير من مجالسه العامرة منذ كان أميرًا لمنطقة الرياض ومن ثم وليًا للعهد ثم ملكًا وتشنفت أذناي طربًا بسماع الكثير من أحاديثه ورواياته الدقيقة التي تعمق مفاهيم أساسيه لمرحلة تأسيس الدولة السعودية ومدى الأعمال البطولية التي قام بها أئمة وحكام هذه الدولة التي قام بها المؤسس الملك عبدالعزيز لهذا الكيان الشامخ لكي ننعم بهذه الوحدة الوطنية والأمن والأمان والاستقرار والذي ما زلنا نتفيأ ظلاله وننعم به اليوم وما تركه لنا من المكتسبات والمقدرات العظيمة التي حققها لمملكته حيث لا تأتي مناسبة، أو حديث، أو لقاء، أو مجلس إلا ويؤكد ويستحضر حفظه الله البدايات الأولى والتضحيات والأسس والركائز التي قامت عليها الدولة السعودية وهو الحاضر بمخزون الذاكرة الحية ذهنيًا لكل هذه الأدوار وهو من قرأ وصفح التاريخ وأحبه وحفظ تفاصيله لذا أراد أن يؤسس لمرحلة جديدة ليبث فيها الوعي المسؤول والحس الوطني لدى أبناء هذه المملكة للاعتزاز بالجذور والافتخار بالتاريخ السعودي. لذا لا بد من أن تتضافر الجهود مشتركة بين المؤسسات الحكومية والأهلية لمواكبة وترجمة تلك المناسبة العزيزة على نفوسنا جميعًا وألا تمر مرورًا عابرًا بل يتوجب أن تصاحبها الكثير من البرامج والفعاليات والأنشطة التي تلامس فئة الشباب من أبناء المملكة والذين يشكلون في مجموعهم الأكثرية من تركيبة السكان وبنسبة حوالي 75 في المائة ويتأكد ذلك وبصورة ممنهجة كبيرة على وزارة التعليم ومؤسساتها التعليمية على مختلف المراحل الدراسية وكذلك وزارة الثقافة والإعلام ودارة الملك عبدالعزيز وأن تقوم أيضًا المؤسسات الأهلية والبنوك المحلية بدعم أي عمل أو بحوث أو ترجمة دراسات أو طباعة كتب تاريخية وتقديم مسابقات وجوائز قيمة ذات علاقة بالتأسيس وأن تعمل أمانات المناطق والبلديات في مختلف أنحاء المملكة بتسمية الشوارع والميادين العامة برموز وشخصيات الدولة السعودية في مختلف أطوارها ومراحلها والتعريف بهم وأن يخصص منهجا دراسيا مبسطا ليوم التأسيس الأول وتأسيس المملكة العربية السعودية للبنين والبنات وأن تصمم برامج وثائقية تشرف عليها دارة الملك عبدالعزيز لهذا الغرض وأن تقام لوحات جدارية في الواجهات والمداخل والأماكن العامة بالدرعية العاصمة الأولى للدولة السعودية وأن يقام متحف تاريخي يحكي لنا قصة التأسيس الأول ومراحله المتعاقبة كما يتوجب على وزارة الرياضة وهي المعنية بالشباب أن تخصص لوحات رقمية صوتية ناطقة في جميع المسابقات والمباريات المحلية طوال مدة الدوريات، وذلك لكي نواكب تلك المناسبة الوطنية طوال العام؛ لأن المستهدف الأول هم فئة الشباب وهي الفئة العمرية التي نحتاجها لتعميق مفاهيم ومضامين يوم التأسيس.
وختامًا.. أسأل الله أن يحفظ المملكة العربية السعودية وقيادتها وشعبها وأن يعلي شأنها وأن يزيدها قوة ورفعة وسؤدداً وعلوًا وعزةً ونصرًا وهي تنعم وترفل بالأمن والأمان والسكينة والطمأنينة والاستقرار ورغد العيش الكريم.
** **
- فهد عبدالعزيز الكليب