تريث التاريخ رامقاً فمدوناً لسيرة المجد الخالد في مسيرة المملكة العربية السعودية عبر حقب وآماد طوال قد توالت عليها شاهدة على قوة العزم والحزم والمِراس ومشاهدة لأحداث جسام في ميادين الكفاح الوطني والنضال الملحمي الذي ظل يرنو لتأسيس هذه البلاد المباركة على أسسٍ قويمة فتبقى المملكة دائماً وأبداً على قلب رجل واحد تحت ظل لوائها السامق الذي شرف بحمل بيرق كلمة التوحيد على سنام عليائه ليبقى قائماً في كيانها شكلاً ومضموناً. تقود مسيرتها الماجدة قيادة رشيدة واعية حاملة لهذا الإرث التالد والمجد السائد. وقد أردت من خلال هذه السطور أن أشارك ذكرى يوم التأسيس المجيد الذي حباه الأمر السامي بهذه الحفاوة الجديرة به أن جعل منه يوماً وطنياً آخر وكان للقدر موعد منذ المبتدأ لتأسيس الدولة وتوحيد الكلمة عضداً وسنداً للأمة جمعاء فالدولة السعودية الأولى أو إمارة الدرعية كما كان يطلق عليها هي دولة تأسست في وسط الجزيرة العربية عام 1744م – 1233هـ أسسها محمد بن سعود آل مقرن أمير الدرعية والذي اتخذها عاصمة لدولته وقد تبنّى محمد بن سعود مؤسس الدولة السعودية الأولى الدعوة الإصلاحية التي وضع ركائزها الإمام محمد بن عبد الوهاب منطلقاً من عقيدة التوحيد وقد توسعت الدولة السعودية الأولى حتى بلغت أوج عظمها في عهد آخر أمرائها وهما سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود وعبدالله بن سعود حيث استطاعت ضم الأحساء كما توجهت جحافل جيوشها مسيطرة على معظم سواحل الخليج العربي. ولما بلغت الدولة السعودية الأولى الى هذا المرتقى الشامخ بهذه الانتصارات لم يرق ذلك للدولة العثمانية بأن ترى هذا النفوذ للدولة السعودية الذي يزداد يوماً بعد يوم ممتداً الى مكة والمدينة المنورة لما تمثلهما من رمزية دينيّة في وجدان المسلمين فقام محمد علي باشا بتسيير حملات عسكريّة باتجاه مناطق سيطرة آل سعود، وقد تمكنت تلك الحملات أخيراً من إحكام سيطرته على هذه المناطق.
وتواعد القدر مرة أخرى مع الدولة السعودية الثانية حيث تعد الدولة السعودية الثانية هي من أهم المراحل في تاريخ المملكة والتي تم تأسيسها في عام (1240هـ - 1824م) إلى (1309هـ - 1891م) على يد الأمير تركي بن عبد الله آل سعود رحمه الله والذي جعل عاصمتها الرياض.
وقد تولى الأمير تركي مقاليد الأمور ومن بعده ابنه فيصل حيث كثفا جهودهما لإعادة توحيد البلاد وقد خاضت الدولة السعودية الثانية مجموعة من المعارك أدت إلى انتصاراتها إلا أن النزاعات الداخلية أدت الى ضعفها مما كان سبباً في سقوطها. وكان الموعد الأجل للقدر مع الدولة السعودية الثالثة التي تعد الامتداد الطبيعي ونمواً مطّرداً للدولتين الاولى والثانية حيث تعد الوريثة الشرعية لهما لانبعاثها من هذا الإرث التاريخي المشرق.
وكان ذلك على يد الملك عبد العزيز آل سعود الذي تمكن من استعادة مدينة الرياض وتأسيس الدولة السعودية الحديثة والمعاصرة بعد سلسلة من المعارك التي أرخت للنضال المجيد والكفاح الممتد في مسيرة تأسيس وتوحيد المملكة فجمع الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه القلوب وألّف بينها فتوحدت الصفوف والسواعد وقامت الجموع على قلب رجل واحد لإقامة هذا الكيان الزاخر بالقيم فأعد العُدة والعتاد وانطلق برجاله يقطع الصحاري ويطوي الفيافي مناضلاً ومجاهداً ورافعاً لراية التوحيد ماضياً على خُطى آبائه وأجداده بحنكة وحكمة ورأي سديد.
إن هذا الحدث التاريخي المهم لمرحلة التأسيس الذي منحه الأمر السامي شهادة تقدير ودرع الحفاوة ليبقى خالداً في خلد الأجيال المتعاقبة جيلاً بعد جيل. إنه يوم التأسيس الذي قاد ليوم توحيد المملكة فقاد بدوره إلى كثير من المنجزات والمتغيرات والتحولات والتطورات في مختلف الميادين والمجالات الاقتصادية والاجتماعية والنهضة العلمية والسياسية والأمنية وغيرها من المجالات المستحدثة التي ظهرت خلال هذه الفترة وقد كان هذا اليوم بداية للانطلاق نحو الإنجازات المجيدة لحاضر مشرق ومستقبل باهر.
فهذه هي مملكة الإنسانية في ذكرى يوم تأسيسها نسأل الله لها دوام الأمن والأمان والنهضة والاستقرار والتقدم والازدهار وأن يحفظ الله حكومتنا الرشيدة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين.
** **
د. عبدالرحمن بن عبدالله المشيقح - عضو مجلس الشورى السابق - رئيس مجلس أمناء جامعة المستقبل ببريدة